وحدّ الرّمانىّ الاستعارة فقال: هى تعليق العبارة على غير ما وضعت له فى أصل الّلغة على سبيل النقل للإبانة.
وقال ابن المعتزّ: هى استعارة الكلمة من شىء قد عرف بها إلى شىء لم يعرف بها. وذكر الخفاجىّ كلام الرّمانىّ وقال: وتفسير هذه الجملة أن قوله عز وجل:
وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً
استعارة، لأن الاشتعال «١» للنار، ولم يوضع فى أصل اللغة للشيب فلما نقل اليه بان المعنى لما اكتسبه من التشبيه، لأن الشيب لما كان يأخذ فى الرأس شيئا فشيئا حتى يحيله إلى غير لونه الأوّل كان بمنزلة النار التى تسرى فى الخشب حتى تحيله إلى غير [حالته «٢» ] المتقدّمة؛ فهذا هو نقل العبارة عن الحقيقة فى الوضع للبيان، ولا بدّ من أن تكون أوضح من الحقيقة لأجل التشبيه العارض فيها لأن الحقيقة لو قامت مقامها لكانت أولى بها «٣» ، لأنها الأصل، وليس يخفى على المتأمّل أن قوله عزّ وجلّ: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً
أبلغ من كثر شيب الرأس، وهو حقيقة هذا المعنى.
ولا بدّ للاستعارة من حقيقة هى أصلها، وهى مستعار منه، ومستعار، ومستعار له، فالنار مستعار منها، والاشتعال مستعار، والشيب مستعار له. قال: وأمّا قولنا مع طرح ذكر المشبّه، فاعلم أننا اذا طرحناه كقولنا: رأيت أسدا، وأردنا الرجل الشجاع فهو استعارة بالاتفاق، وإن ذكرنا معه الصيغة الدالّة على المشابهة كقولنا:
زيد كالأسد أو مثله أو شبهه فليس باستعارة؛ وإن لم نذكر الصيغة وقلنا: زيد أسد فالمختار أنه ليس باستعارة إذ فى اللفظ ما يدلّ على أنّه ليس بأسد فلم تحصل