للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا وقع بعدها الفعل فالمعنى أن ذلك الفعل لا يصح إلا من المذكور، كقوله تعالى: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ*

؛ ثم قد يجتمع معه حرف النفى، إما متأخرا عنه كقولك، إنما يجىء زيد لا عمرو: قال تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ

وقال لبيد:

فإذا جوزيت قرضا فاجزه ... إنما يجزى الفتى ليس الجمل «١»

وإما مقدّما «٢» عليه، كقولك: ما جاءنى زيد وإنما جاءنى عمرو، فها هنا لو لم تقل: إنما، وقلت: ما جاءنى زيد وجاءنى عمرو لكان الكلام مع من ظنّ أنهما جاءاك جميعا، وإذا أدخلتها فإن الكلام مع من غلط فى الجائى أنه زيد لا عمرو.

قال: واعلم أنّ أقوى ما تكون «إنّما» اذا كان لا يراد بالكلام الذى بعدها نفس معناه، ولكن التعريض بأمر هو مقتضاه، فإنا نعلم أنه ليس الغرض من قوله تعالى:

إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ*

أن يعلم السامعون ظاهر معناه، ولكن أن يذمّ الكفّار ويقال لهم: إنهم من فرط العناد فى حكم من ليس بذى عقل، وقوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها

وإِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ

والتقدير إنّ من لم تكن له هذه الخشية، فهو كمن لم تكن له أذن تسمع وقلب يعقل، فالإنذار معه كلا إنذار، وهذا الغرض لا يحصل دون «إنما» لأن من شأنها تضمين الكلام معنى النفى بعد الإثبات، فإذا أسقطت لم يبق إلا إثبات الحكم للمذكورين، فلا يدلّ على نفيه [عن «٣» ] غيرهم إلا أن يذكر فى معرض مدح الإنسان بالتيقّظ والكرم وأمثالهما، كما يقال:

كذلك يفعل العاقل، هكذا يفعل الكريم.