وأشتاتا، اختار الله لنبيّه ما عنده، فلمّا قبض الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم نصب «١» الشيطان رواقه، ومدّ طنبه، ونصب حبائله، وأجلب بخيله ورجله، واضطرب حبل الإسلام، ومرج عهده، وماج أهله، وبغى الغوائل، وظنّت رجال أن قد أكثب «٢» نهزها، ولات حين الذى يرجون، وأنّى والصّدّيق بين أظهرهم؟ فقام حاسرا مشمّرا، فجمع حاشيتيه، ورفع قطريه، فردّ رسن الإسلام على غربه، ولم شعثه بطبّه، وأقام أوده بثقافه، فابذعرّ النفاق بوطئه، وانتاش الدّين فنعشه، فلمّا أراح الحقّ على أهله، وقرّر الرءوس على كواهلها، وحقن الدماء فى أهبها، أتته منيّته، فسدّ ثلمته بنظيره فى الرحمة، وشقيقه فى السّيرة والمعدلة، ذاك ابن الخطّاب، لله درّ أمّ حفلت «٣» له، ودرّت عليه! لقد أوحدت به، ففنّخ الكفرة وديّخها، وشرّد الشّرك شذر مذر، وبعج الأرض وبخعها، فقاءت أكلها، ولفظت جنينها «٤» ، ترأمه ويصدف عنها، وتصدّى له ويأباها، ثم وزّع فيها فيئها، وودّعها كما صحبها؛ فأرونى ما ترتابون؟ وأىّ يومى أبى تنقمون؟ أيوم إقامته إذ عدل فيكم، أم يوم ظعنه وقد نظر لكم؟ أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.
ثم أقبلت على الناس بوجهها فقالت: أنشدكم الله، هل أنكرتم مما قلت شيئا؟