استمرّت بك الغفلة حتى ركبت ما ركبت، واخترت ما اخترت، فلا عجب أن تنتبه انتباهة تبصر فيها قبيح ما صنعت، وسوء ما آثرت؛ وسأقيم على رسمى فى الإبقاء والمماطلة ما صلح، وعلى الاستيناء والمطاولة ما أمكن، طمعا فى إنابتك، وتحكيما «١» لحسن الظنّ بك؛ فلست أعدم فيما أظاهره من إعذارك، وأرادفه من إنذارك، احتجاجا عليك، واستدراجا لك؛ وإن يشإ الله يرشدك، ويأخذ بك الى حظّك ويسدّدك؛ فإنه على كلّ شىء قدير.
وفى فصل منه: وزعمت أنك فى طرف من الطاعة بعد أن كنت متوسّطها، وإن كنت كذلك فقد عرفت حالتيها، وحلبت شطريها، فناشدتك الله لما صدقت عما أسألك: كيف وجدت ما زلت عنه، وتجد ما صرت إليه؟ ألم تكن من الأوّل فى ظلّ ظليل، ونسيم عليل، وريح بليل؛ وهواء ندىّ «٢» ، وماء روىّ، ومهاد وطىّ؛ وكنّ كنين، ومكان مكين، وحصن حصين؛ يقيك المتالف، ويؤمنك «٣» المخاوف؛ ويكنفك من نوائب الزمان، ويحفظك من طوارق الحدثان؛ عززت «٤» به بعد الذّلّة، وكثرت بعد القلّة؛ وارتفعت بعد الضّعة، وأيسرت بعد العسر، وأثريت بعد المتربة، واتّسعت بعد الضيق، وأطافت «٥» بك الولايات، وخفقت فوقك الرايات؛ ووطئ عقبك الرجال، وتعلّقت بك الآمال؛ وصرت تكاثر ويكاثر بك، وتشير ويشار اليك؛