ولو أن لى يدا تكتب، او لسانا يسهب؛ أو خاطرا يستهلّ، أو فؤادا يستدلّ؛ لوصفت إليه شوقا إن استمسك بالجفون نثر عقدها، أو نزل بالجوانح أسعر وقدها؛ أو تنفّس مشتاق أعان على نفسه، وظنّه استعاره من قبسه؛ أو ذكر محبّ حبيبا خاله خطر فى خلده، وتفادى من أن يخطر به ذكر جلده
حتى كأنّ حبيبا قبل فرقته ... لا عن أحبّته ينأى ولا بلده
بالله لا ترحموا قلبى وإن بلغت ... به الهموم فهذا ما جنى بيده
ولولا رجاؤه أنّ أوقات الفراق سحابة صيف تقشعها الرياح، وزيارة طيف يخلعها الصباح؛ لاستطار فؤاده كمدا، ولم يجد ليوم مسرّته أمدا؛ ولكنه يتعلّل بميعاد لقياه، ويدافع ما أعلّه بلعلّه أو عساه
غنى فى يد الأحلام لا أستفيده ... ودين على الأيّام لا أتقاضاه
ومن غرائب هذه الفرقه، وعوارض هذه الشّقة؛ أنّ مولاى قد بخل بكتابه وهو الذى يداوى به أخوه غليل اكتئابه، ويستعديه على طارق الهمّ إذا لجّ فى انتيابه
كمثل يعقوب ضلّ يوسفه ... فاعتاض عنه بشم أثوابه
وهب أنّ فلانا عاقه عن الكتب عائق، واختدع ناظره كمن هو فى ناضر عيش رائق؛ فما الذى عرض لمولانا حتى صار جوهر ودّه عرضا، وجعل قلبى لسهام إعراضه غرضا؟
بى منه ما لو بدا للشمس ما طلعت ... من المكاره أو للبرق ما ومضا «١»
وما عهدته- أدام الله سعادته- إلا وقد استراحت عواذله، وعرّى «٢» به أفراس