المصريّه، وانبتّ «١» فى طلب العلوم بأجمل سريرة وأحسن سيرة وأخلص نيّه؛ فبلغ فيها «٢» مناه، وأدرك بها ما تمنّاه؛ وغدا وثغر فصاحته بالعلوم أشنب، وبرد بلاغته بالآداب مذهب
تناهى علاء والشباب رداؤه ... فما ظنّكم بالفضل والرأس أشيب
ولما عاينه أعيان أهل هذا الوادى، وشاهدوه يبكّر فى طلب العلوم ويغادى؛ تلقّوه بالإكرام والترحيب، وقابلوه بالتبجيل والتقريب، وأنزلوه بالمحلّ الأرفع والفناء الخصيب؛ وعاملوه بمحض الوداد، وساواه شبابهم بالإخوة ومشايخهم بالأولاد؛ وخلطوه بالنفس والمال، وظهر له فى ابتداء أمره بقرائن الأحوال حسن المآل؛ فأصبح من عدول المصر، وأمسى وهو من أعيان العصر؛ فشكر عاقبة مسيره وحمد صباح سراه، وأجابه لسان الفضائل بالتّلبية لمّا دعاه؛ ثم ارتحل الى الشأم فجعل دمشق مقرّ وطنه، وموطن سكنه؛ ومحلّ استفادته وإفادته، ونهاية رحلته وغاية إرادته؛ فعامله أهلها بفوق «٣» ما فى نفسه، فحمد يومه بها على أمسه؛ وغدا لأهل المصرين شاكرا، ولمناقبهم تاليا ولمحاسنهم ذاكرا؛ وله من النظم ما رقّت حواشيه، وراقت معانيه؛ ومن النثر ما عذب وصفا، وكمل بلاغة ولطفا؛ وحسن إعجازا، وتناسب صدورا وأعجازا؛ وقد قدّمنا من كلامه فى هذا الكتاب ما باسمه ترجمناه، ولفضائله نسبناه؛ مما تقف عليه فى مواضعه، وتغتذى بلبان مراضعه؛ فلنورد له