وجدنى قد ذخرت له من أجره وفضيلته ما يتمكن به القربة منى والوسيلة إلىّ، وأفضل المنازل فى دار المقام. وأجعل اسم ذلك البيت ودكره وشرفه ومجده وثناءه ومكرمته لنبىّ من ولدك يكون قبل هذا النبى وهو أبوه يقال له إبراهيم، أرفع له قواعده، وأقضى على يديه عمارته، وأنبط له سقايته، وأريه حلّه وحرمه ومواقفه، وأعلمه مشاعره ومناسكه، وأجعله أمة واحدة قانتا لى، قائما بأمرى، داعيا إلى سبيلى؛ أجتبيه وأهديه إلى صراط مستقيم؛ أبتليه فيصبر، وأعافيه فيشكر؛ وينذر لى فيفى؛ ويعد لى فينجز؛ أستجيب له فى ولده وذرّيته من بعده وأشفّعه فيهم، وأجعلهم أهل ذلك البيت وولاته وحماته وسقاته وخدّامه وخزّانه وحجّابه حتّى يبتدعوا ويغيروا؛ فإذا فعلوا ذلك فأنا الله أقدر القادرين على أن أستبدل من أشاء بمن أشاء. أجعل إبراهيم إمام أهل ذلك البيت وأهل تلك الشريعة، يأتمّ به من حضر تلك المواطن من جميع الإنس والجن؛ يطئون فيها آثاره، ويتبعون فيها سنّته، ويقتدون فيها بهديه.
فمن فعل ذلك منهم أوفى نذره، واستكمل نسكه؛ ومن لم يفعل ذلك منهم ضيّع نسكه، وأخطأ بغيته. فمن سأل عنى يومئذ فى تلك المواطن: أين أنا؟ فأنا مع الشّعث الغبر الموفين بنذورهم، المستكملين مناسكهم، المبتهلين إلى ربهم الذى يعلم ما يبدون وما يكتمون. وليس هذا الخلق ولا هذا الأمر الذى قصصت عليك شأنه؛ يا آدم، بزائدى فى ملكى ولا عظمتى ولا سلطانى ولا شىء مما عندى إلا كما زادت قطرة من رشاش وقعت فى سبعة أبحر تمدّها من بعدها سبعة أبحر لا تحصى، بل القطرة أزيد فى البحر من هذا الأمر فى شىء مما عندى. ولو لم أخلقه لم ينتقص شىء من ملكى ولا عظمتى ولا مما عندى من الغناء والسّعة، إلا كما نقصت الأرض ذرّة وقعت من جميع ترابها وجبالها وحصاها ورمالها وأشجارها، بل الذرّة أنقص للأرض من هذا الأمر لو لم أخلقه. ليس مما عندى ويعدّ هذا مثلا للعزيز الحكيم.