ما ابتلعته منه ضمّة سمعنا تكسير عظامه فى جوفها، فمات وسقطت يداه فابتلعته حينئذ بأسره. فقلت: الآن أقصدوها بالنّشّاب؛ فرشقناها جميعا فأثبتناها فى موضعها حتى قتلناها؛ فأمرت بشق بطنها لأعاين جسم الرّجل، فلم نجد فى بطنها من جلد ولا عظم ولا غيرهما إلا شيئا كالخيط الأسود، فإذا هى قد أحرقته فى لحظة واحدة.
ويقال: إن بجزائر الصين حيات تبتلع الإبل والبقر وشبهها.
قال الجاحظ: حدّثنى أبو جعفر المكفوف النحوىّ العنبرىّ وأخوه روح الكاتب ورجال من بنى العنبر: أنّ عندهم فى رمال بلعنبر حيّة تصيد العصافير وصغار الطير بأعجب حيلة؛ وزعموا أنها إذا انتصف النهار واشتدّ الحرّ فى رمال بلعنبر وامتنعت الأرض على الحافى والمنتعل، غمست هذه الحيّة ذنبها فى الأرض ثم انتصبت كأنها عود مركوز أو عود نابت «١» ، فيجىء الطائر الصغير والجرادة، فإذا رأى عودا قائما وكره الوقوع على الرّمل لشدّة حرّه وقع على رأس الحيّة على أنها عود، فإذا وقع على رأسها قبضت عليه. فإن كان جرادة أو جعلا أو بعض ما لا يشبعها ابتلعته وبقيت على انتصابها؛ وإن كان طائرا يشبعها أكلته وانصرفت؛ وإن ذلك دأبها ما منع الرمل جانبه فى الصيف والقيظ.
قال: وزعم لى رجال من الصّقالبة خصيان وفحول أنّ الحيّة فى بلادهم تأتى البقرة المحفّلة «٢» فتنطوى على فخذيها وركبتيها إلى عراقيبها ثم تشخص صدرها نحو أخلاف ضرعها حتى تلتقم الخلف، فلا تستطيع البقرة مع قوّتها أن تترمرم «٣» ؛ فلا تزال الحيّة