للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير مختلس لشىء من الرزق دون صحبه. ويقال: إنما يفعل ذلك منها رؤساؤها ومن تحيّله فى طلب الرزق أنه ربما وضع بينه وبين ما يخاف عليه منه ما يمنعه من الوصول إليه من ماء أو شعر، فيتسلّق فى الحائط ويمشى على جذع من السّقف حتى يسامت ما حفظ منه ثم يلقى نفسه عليه. وفى طبعه وعادته أن يحتكر فى زمن الصيف لزمن الشتاء. وهو إذا خاف على ما يدّخره من الحبوب من العفن والسّوس أو التّندّى من مجاورة بطن الأرض، أخرجها إلى ظاهر الأرض حتى تيبس ثم يعيدها. وإن خاف على الحبّ أن ينبت من نداوة الأرض نقر فى موضع القطمير من وسط الحبّة (وهو الموضع الذى يبتدئ منه النّبات) ؛ ويفلق جميع الحبّ أنصافا؛ فإن كان من حبّ الكزبرة فلقه أرباعا، لأن أنصاف حبّ الكزبرة تنبت. فالنمل من هذا الوجه فى غاية الحزم. فسبحان الملهم لا إله غيره.

وليس شىء من الحيوان يقوى على حمل ما يكون ضعف وزنه مرارا غير النملة.

والنّمل يشمّ ما ليس له ريح ممّا لو وضعه الإنسان عند أنفه لما وجد له ريحا. ومن أسباب هلاك النملة نبات الأجنحة لها؛ فإذا صار النمل كذلك صادته العصافير وأكلته. وفى ذلك يقول أبو العتاهية:

وإذا استوت للنّمل أجنحة ... حتّى يطير فقد دنا عطبه

ومن أصناف النّمل صنف يسمّى «نمل الأسد» ؛ سمّى بذلك لأن مقدّم النملة يشبه وجه الأسد ومؤخّرها كالنّمل. وزعم بعض من تكلّم فى طبائع الحيوان أنه متولّد، وأن أباه أكل لحما، وأمّه أكلت نباتا، فنتج بينهما على هذه الصفة.

وقد وصفه الشعراء؛ فمن ذلك قول شاعر «١» :

غزاة يولّى الليث عنهنّ هاربا ... وليست لها نبل حداد ولا عمد