قال: ومنها غراب البين؛ وهو نوعان: أحدهما غربان صغار معروفة بالضّعف واللؤم. والآحر إنما لزمه هذا الاسم لأنّ الغراب إذا بان أهل الدار للنّجعة وقع فى مواضع بيوتهم يتلمّس ويتقمّم، فتشاءموا به وتطيّروا منه، إذ كان لا يلمّ بمنازلهم إلا إذا بانوا منها؛ فسمّوه غراب البين. ثم كرهوا إطلاق ذلك الاسم مخافة الزّجر والطّيرة، وعلموا أنه نافذ البصر صافى العين، فسمّوه الأعور؛ من أسماء الأضداد.
قال: والغدفان جنس من الغربان؛ وهى لئام جدّا. ومن أجل تشاؤمهم بالغراب اشتقّوا من اسمه الغربة والاغتراب والغريب. والعرب يتعايرون بأكل لحوم الغربان. وفى ذلك يقول وعلة الجرمىّ «١» :
فما بالعار ما عيّرتمونا ... شواء النّاهضات مع الخبيص «٢»
فما لحم الغراب لنا بزاد ... ولا سرطان «٣» أنهار البريص «٤»
والغربان من الأجناس التى تقتل فى الحلّ والحرم، وسمّيت بالفسق.
قال الجاحظ: وبالبصرة من شأن الغربان ضروب من العجب، لو كان ذلك بمصر أو ببعض الشامات كان عندهم من أجود الطّلّسمات؛ وذلك أنّ الغربان تقطع إلينا فى الخريف فترى النخيل وبعضها مصروم وعلى كل نخلة عدد كثير من الغربان؛