للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعد، فإنى أعود إلى ذكر [ذلك «١» ] الحيوان الغريد، والشيطان المريد؛ فأقول:

لئن سمّى بالزّريزير، لقد صغّر للتكبير «٢» ؛ كما قيل: حريقيص وسقطه «٣» يحرق الحرج، ودويهية وهى تلتهم الأرواح والمهج. ومعلوم أنّ هذا الطائر الصافر يفوق جميع الطيور فى فهم التلقين، وحسن اليقين. فإذا علّم الكلام لهج بالتسبيح، ولم ينطق لسانه بالقبيح، وتراه يقوم كالنصيح، ويدعو للخير بلسان فصيح. فمن أحبّ الاتّعاظ، لقى منه قسّ «٤» إياد بعكاظ؛ أو مال إلى سماع البسيط والنشيد، وجد عنده نخب الموصلىّ للرشيد. فطورا يبكيك بأشجى من مراثى أربد»

، وحينا يسلّيك بأحلى من أغانى معبد «٦» . فسبحان من جعله هاديا خطيبا، وشاديا مطربا مطيبا. ولما طار ببلاد الغرب ووقع، ورقى فى أكنافها وصقع؛ وعاين ما اتّفق «٧» فيها فى هذا العام من عدم الزيتون، فى تلك البطون والمتون؛ أزمع عنها فرارا، ولم يجد بها قرارا؛ لأن هذا الثمر «٨» بهذا الأفق هو قوام معاشه، وملاك انتعاشه؛ إليه يقطع، وعليه يقع؛ كما يقع على العسل الذّباب، وتقطع إلى العراد «٩» الضّباب؛ فاستخفّه هائج التذكار، نحو تلك