للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نوح- وكانت يومئذ فى مسجد الكوفة- فلمّا رجع من حجّه نزلت السفينة من الهواء، ثم أوحى الله إليه: أن قد دنا هلاك قومك فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ

. ثم أمره الله تعالى أن ينادى فى الوحش والسباع والطير والهوامّ والأنعام؛ فوقف على سطح منزله، ونادى: «هلمّوا إلى السفينة المنجّية» . فمرّت دعوته إلى الشرق والغرب والبعد والقرب، فأقبلت إليه أفواجا.

فقال: إنّما أمرت أن أحمل من كلّ زوجين اثنين؛ فأقرع بينهم، فأصابت القرعة من أذن الله فى حمله، وكان معه من بنى آدم ثمانون إنسانا بين رجل وامرأة؛ فلما كان فى مستهلّ شهر رجب نودى من التنّور وقت الظهر: قم يا نوح فاحمل فى سفينتك من كلّ زوجين اثنين من الذكر زوجا ومن الأنثى زوجا، فحملهم. وكان معه جسد آدم وحوّاء؛ وتباطأ عليهم الحمار فى صعوده، لأن إبليس تعلّق بذنبه؛ فقال نوح بالنبطيّة: على سيطان، يعنى ادخل يا شيطان؛ فدخل ومعه إبليس فرآه نوح فقال: يا ملعون، من أدخلك؟ قال: أنت حيث قلت: على سيطان:

فعاهده ألا يغوى أهل السفينة ما داموا فيها؛ ثم أوحى الله إلى جبريل أن يأمر خزنة الماء أن يرسلوه بغير كيل ولا مقدار وأن تضرب المياه بجناح الغضب. ففعل ذلك، ونبعت العيون، وهطلت السماء (فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ)

وكان ماء السماء أخضر، وماء الأرض أصفر؛ وأمر الله الملائكة أن يحملوا البيت الى سماء الدنيا؛ وكان الحجر يومئذ أشدّ بياضا من الثلج؛ فيقال إنه اسودّ من خوف الطّوفان؛ وقال نوح عند ركوبه السفينة ما أخبرنا الله عنه فى كتابه العزيز: وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ