وتستغيث بالله وتقول: اللهم طهّر أرضك بنبيّك صالح، وارفع به الفساد. والقوم يسمعون ذلك ويقولون: قد كفر هؤلاء بآلهتنا.
قال: وكان لكانوه فى ديار قومه امرأة يقال لها: (رعوم) وهى كثيرة البكاء عليه منذ فقدته؛ فبينما هى ذات ليلة وإذا بغراب نعق، فقامت لتنظر إليه، فرأته على مثال الغراب، ورأسه أبيض، وظهره أخضر، وبطنه أسود وهو أحمر الرجلين والمنقار، وأخضر الجناحين؛ فقالت: أيها الطائر، ما أحسنك! فقال: أنا الغراب الّذى بعثت إلى قابيل فأريته كيف يوارى سوءة أخيه، وأنا من طيور الجنّة، وإنى أراك باكية حزينة. فقالت: إنى فقدت زوجى منذ مائة عام. فقال: اتبعينى فانّى أرشدك إليه. فتبعته، وطويت لها الطريق حتى وقفها على باب الغار، ونادى الطائر: قم يا كانوه، قم بقدرة الله. فقام ودخلت إليه زوجته، فواقعها، فحملت- بإذن الله تعالى- بصالح. وقبض الله كانوه لوقته؛ وعادت رعوم والغراب يدلّها على منزلها؛ فلما انقضت مدّة حملها، وضعت فى ليلة الجمعة من شهر المحرم، فوقعت هزّة شديدة فى بلاد ثمود لمولده، وخرّت الوحوش والسباع ساجدة لله تعالى، وأصبحت الأصنام وقد تنكّست؛ فأقبل داود وأخبر الملك بخبرها؛ فجاء بأشراف ورفعوها على مراتبها وأسرّتها، وتقدّم الملك إلى الصنم الأكبر وقال: ما دهاك؟ فناداهم إبليس منه:
قد ولد فيكم غلام يدعوكم إلى دين هود ليس عليكم منه بأس.
فخرج الملك ومن معه مستبشرين؛ ونشأ صالح، حتى إذا بلغ سبع سنين أقبل على قومه وهو يقول: يا آل ثمود، تنكرون حسبى ونسبى، أنا فلان بن فلان. فيقولون: إنك من أحسبنا وأنسبنا؟ حتى إذا بلغ عشر سنين إذا أقبل عليهم ملك من أولاد سام، كان يغزوهم