فلما عاين قومه ذلك ازدادوا كفرا، ودخلوا على صنمهم وشكوا ما يلقونه من صالح؛ فنطق إبليس من جوفه وقال: انصرفوا إلى ما أنتم عليه؛ وإذا رأيتم صالحا فقولوا: ائتنا ببرهان كما أتى به هود ونوح.
فخرجوا مسرورين حتى أتوا صالحا، فقال لهم: قد رأيتم وسمعتم كلام الوحش والطير وإحياء الموتى وغير ذلك من الآيات ما فيه كفاية، فأىّ آية تريدون؟
قالوا: نخرج نحن وأنت إلى هذا الوادى، وندعو وتدعو، وننظر أىّ الدعوتين تستجاب؛ وتواعدوا إلى يوم عيدهم.
فلمّا كان فى ذلك اليوم اجتمعوا وخرجوا بأصنامهم وزينتهم؛ وأقبل صالح يخترق صفوفهم؛ حتّى وقف أمام ملكهم، ودعاهم إلى الإيمان بالله. قالوا: أرنا آية. قال: ما تريدون؟ قالوا: اخرج لنا ناقة من هذه الصخرة ونؤمن بك ونعلم أنّك صادق. قال: إنّ ذلك هيّن على ربّى، ولكن صفوها لى.
فأقبل القوم يصف كلّ منهم صفة حتى أكثروا. فقال الملك: إنّ هؤلاء قد أكثروا وأنا أصفها بما فى قلبى: تكون ناقة ذات فرث ودم ولحم وعظم وعصب وعروق وجلد وشعر يخالطه وبر، وتكون شكلاء «١» شقراء هيفاء، ولها ضرع كأكبر ما يكون من القلال، يدرّ من غير أن يستدرّ، يشخب لبنا غزيرا صافيا، ويكون لها فصيل يتبعها على مثالها، فإذا رغت أجابها بمثل رغائها، ويكون حنينها الإخلاص لربّك بالتوحيد، والإقرار لك بالنبوّة، فإن أخرجتها على هذه الصفة آمنّا.
فأوحى الله إليه: أن أعطهم ما سألوا. فقال لقومه: إن الله قد شفّعنى فى حاجتكم، فإن أخرجتها تؤمنون؟ قالوا: نعم، على شرط أن يكون لبنها ألذّ