ثم نادت:«أنا ناقة ربّى، فسبحان من خلقنى وجعلنى آية من آياته الكبرى» .
فلما رأى الملك ذلك قام عن سريره وقبّل رأس صالح، وقال: يا معشر قبائل ثمود، لا عمى بعد الهدى، أنا أشهد أن لا إله إلّا الله، وأن صالحا رسول الله.
وآمن معه فى ذلك اليوم خلق كثير من أهل مملكته وغيرهم؛ فلمّا رأى داود خادم الأصنام ذلك نادى بصوت رفيع: يا آل ثمود، ما أسرع ما صبوتم إلى هذا الساحر، إن كانت الناقة قد أعجبتكم فهلّموا إلى آلهتكم فسلوها حتى تخرج لكم أحسن منها.
فوقفوا عن الإيمان، وعمدوا إلى شهاب أخ الملك، فملّكوه عليهم؛ ودخل جندع المدينة فكسر الصنم الذى كان يعبده، وفرّق أمواله على المؤمنين، ولبس الصوف، وعبد الله حقّ عبادته، وكانت الناقة تتّبع صالحا كاتّباع الفصيل لأمّه؛ فلمّا كان بعد ذلك أقبلت ثمود على صالح، وقالوا: إن لم نمسّ الناقة بسوء يصرف ربّك عنّا عذابه؟ قال: نعم، إلى منتهى آجالكم. وكانت الناقة تخرج وفصيلها خلفها، فتصعد إلى رءوس الجبال، ولا تمرّ بشجرة إلّا التفّت عليها أغصانها فتأكل أطايب أوراقها؛ ثم تهبط إلى الأودية فترعى هناك، فإذا أمست تدخل المدينة وتطوف على دور أهلها، وتنادى بلسان فصيح: ألا من أراد منكم اللّبن فليخرج.
فيخرجون بآنيتهم، فيضعونها تحت ضرعها، واللّبن يشخب حتى تمتلئ الآنية؛ فإذا اكتفوا عادت إلى المسجد، وتسبّح الله حتى تصبح؛ ثم تخرج إلى المرعى وهذا دأبها.
قال: وكان للقوم بئر يشربون منها ليس لهم سواها، فإذا كان يوم الناقة تأتى وتدلّى رأسها فتشربه وتقول:«الحمد لله الذى سقانى من فضل مائه، وجعلنى حجّة على آل ثمود» .