وقال: يا إبراهيم، من أطعمك وسقاك؟ قال: ربّى أطعمنى وسقانى، فآمن به يا نمروذ، فقد رأيت آياته وعظمته.
فغضب نمروذ ثم أقبل على تارح وقال له: قد كنت أتخوّف من ابنك، لأنّى كنت أظنّ له شوكة من الجنود، والآن فليس عنده إلّا السحر، وقد وهبته لك.
فأخذه أبوه وأخرجه من دار نمروذ، وقال له: يا بنىّ، امش حتى أدخلك على هذه الأصنام لعلّك تميل إليها. فقال إبراهيم: سوءة لك أيّها الشيخ. ثم قال:
أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ؟
ثم قال: يا قوم قولوا: لا إله إلّا الله وإنّى إبراهيم رسول الله تفلحوا. فكذّبوه، فقال له أبوه: يا بنىّ ما تخشى سطوة الملك.
فقال: يا أبت إنّ الله يعصمنى من مكايده.
قال: ثم ابتلاهم الله- عزّ وجلّ- بالقحط، وقلّت عندهم الأقوات؛ وكان بظاهر المدينة كثيب من الرمل، فتعبّد إبراهيم فيه، ودعا ربّه أن يحوّله طعاما. فحوّله الله، فكان المؤمنون ينالون منه ما يريدون، والكفّار يسجدون لنمروذ ويأخذون منه القوت.
وكان قد جمع الأقوات فى سراديب عنده، فأطعمهم حتى نفد أكثرها ولم يبق إلّا قوت أهله وعشيرته؛ فشرع الناس يؤمنون ويزيدون فى كل يوم؛ فشقّ ذلك على نمروذ، وطلب إبراهيم وقال له: اخرج من بلدى فقد أفسدت قومى بسحرك. فقال إبراهيم: لم أخرج وأنا أحقّ منك؟ وخرج من عنده فأحضر نمروذ تارح وقال له: إن ابنك قد آذانى فى أهل مملكتى، ولولا منزلتك عندى لبطشت به. فقال: إنّنى قد هجرته، ولست راضيا بصنعه، فافعل به ما بدا لك.