فلما انتهيا إلى رأس الجبل قال: إبراهيم: يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.
فحمد إبراهيم ربّه على ذلك؛ فنودى من السماء: أليس الله قد وصفك بالحلم فكيف لا ترحم هذا الطفل؟ قال: إن الله قد أمرنى بذلك. فقال إسحاق:
يا أبت عجّل أمر ربّك قبل أن ينال منّا الشيطان.
فنزع إبراهيم قميصه وربطه بالحبل، وكبّه على جبينه وهو يقول: الحمد لله باسم الله الفعّال لما يريد. ووضع الشفرة على حلقه، فلمّا همّ بذبحه انقلبت الشفرة، فارتعدت يد إبراهيم، فقال له إسحاق: يا أبت، حدّ الشفرة، واصرف وجهك عنّى حتى لا ترحمنى. قال: يا بنىّ، قد فعلت حتى لو قطعت بها المجنّ لقطعته بحدّها.
ثم وضع إبراهيم الشفرة على حلقه ثانيا، وهمّ بقطع أوداجه؛ فانقلبت؛ فقال إبراهيم: لا حول ولا قوّة إلا بالله. فقال: أصبت فى قولك يا أبت ولكن حدّ شفرتك لتذبحنى ذبحا، ولا تجزع. فحدّ إبراهيم المدية حتى جعلها كالنار ووضعها على حلق إسحاق، فسمع إبراهيم هدّة «١» عظيمة ومناديا يقول: يا إبراهيم خذ هذا الكبش فاذبحه عن ابنك، فهو قربان عنه، وهذا اليوم جعل عيدا لك ولولدك من بعدك.
فالتفت إبراهيم إلى الجبل، وإذا هو بكبش أملح أقرن، قد انحدر من الجبل وهو يقول: خذنى يا إبراهيم فآذبحنى عن ابنك، فأنا أحق منه بالذبح، فأنا كبش هابيل بن آدم.