فى مجاورتهم، وامتلأت المدينة من العمالقة ومن أهلها حتى ضاقت بهم، فخرجت العمالقة من مدين ونزلوا بالأيكة،- وكانت غيضة عن يمين مدين- فبنوا هناك الدّور لأنفسهم، واختلطوا بأهل مدين، وكان أهل مدين يعبدون الله، وأصحاب الأيكة يعبدون الأصنام، ولا يعدو بعضهم على بعض؛ وكان صنعون والد شعيب من العبّاد والعلماء بمدين، وتحته امرأة من العمالقة، فولدت له شعيبا فى نهاية الجمال؛ فلمّا كبر أعطاه الله فهما وعلما؛ وكان قليل الكلام دائم الفكر؛ وكان أبوه إذا تأمّل ضعفه ونحافته يقول: اللهم إنك كثّرت الشعوب والقبائل فى أرض مدين، فبارك لى فى شعيبى هذا. يعنى ولده. فرأى فى منامه أن الله تعالى قد بارك لك فى شعيبك هذا، وقد جعله نبيا إلى أهل مدين. فسمّى شعيبا لذلك.
وتوفّى والده فقام شعيب مقامه، وبرّز بالزهد على أهل زمانه، واشتهر بالعبادة.
قال: وكان ملك الأيكة- واسمه أبو جاد- قد اتخذ لقومه أصناما، وهى ثلاثون صنما، عشرة من الذهب حلّاها بالجوهر خاصّة به وبأولاده، والبقية من الفضة والنحاس والحجارة والحديد والخشب لبقية الناس.
قال كعب فى تفسير (أبجد) : إنها أسماء ملوك مدين.
وقيل: بل ملوك الأيكة، وهم أبو جاد وهوّز وحطّى وكلمن وسعفص وقرشت.
قال: وكان أهل مدين أصحاب تجارات يشترون الحنطة والشعير وغيرهما من الحبوب، ويجلبون ذلك من سائر البلدان يتربّصون به الغلاء، وهم أوّل من تربّص؛ وكان لهم مكيالان: واف يكتالون به لأنفسهم عند الشراء، وناقص يكيلون به للإعطاء، وكذلك فى وزنهم؛ فكانوا على ذلك وشعيب بين أظهرهم وهو لا يخالطهم، وله غنم ورثها من أبيه يأكل من منافعها، وهو عظيم المحلّ عندهم.