وقال سعيد بن جبير عن ابن عبّاس- رضى الله عنهم-: القمّل، هو السوس الذى يخرج من الحنظة والحبوب، فكان الرجل يخرج عشرة أقفزة فلا يردّ منها إلّا ثلاثة أقفزة؛ فلما رأوا ذلك شكوا إلى موسى وصاحوا وقالوا: يأيّها الساحر أى أيّها العالم إنا نتوب إلى الله ولا نعود، فادع لنا ربّك يكشف عنا هذا البلاء.
فدعا موسى ربه، فرفع الله تعالى عنهم القمّل بعد ما أقام عليهم سبعة أيّام من السبت إلى السبت، ثم نكثوا العهد، وعادوا إلى خبث أعمالهم، وقالوا: ما كنا قطّ أحقّ أن نستيقن أن موسى ساحر إلّا اليوم، فيجعل الرمل والرماد دوابّ، فعلى ماذا نؤمن به ونرسل معه بنى إسرائيل؟ فقد أهلك زرعنا وحروثنا، وأذهب أموالنا، فما عسى أن يفعل أكثر مما فعل، وعزّة فرعون لا نصدّقه أبدا ولا نتبعه.
فدعا عليهم موسى بعد ما أقاموا شهرا فى عافية- وقيل أربعين يوما- فأوحى الله تعالى إليه وأمره أن يقوم على ضفّة النيل فيغرز عصاه فيه، ويشير بالعصا إلى أدناه وأقصاه وأعلاه وأسفله؛ ففعل موسى ذلك، فتداعت إليه الضفادع بالنّقيق من كلّ جانب حتى أعلم بعضها بعضا، وأسمع أدناها أقصاها؛ ثم خرجت من النيل مثل البحر تدبّ سراعا نحو باب المدينة، فدخلت عليهم فى بيوتهم بغتة، وامتلأت منها أفنيتهم وأبنيتهم وأطعمتهم؛ وكان أحدهم لا يكشف ثوبا ولا إناء ولا طعاما ولا شرابا إلّا وجد فيه ضفادع؛ وكان الرجل يجلس الى ذقنه فى الضفادع، ويهمّ أن يتكلّم فيثب الضفدع فى فيه؛ وكان أحدهم ينام على فراشه وسريره فيستيقظ وقد ركبته الضفادع ذراعا بعضها فوق بعض، وصارت عليه حتى لا يستطيع أن ينصرف إلى شقّه الأخر؛ وكان أحدهم يفتح فاه لأكلته فتستبق الضفادع إلى فيه؛ وكانوا لا يعجنون إلّا انشدخت فيه، ولا يطبخون إلا امتلات القدر بالضفادع؛ وكانت تثب فى نيرانهم فتطفئها، وفى طعامهم فتفسده؛ فلقوا منها أذّى شديدا.