قال ابن عباس- رضى الله عنهما-: أبى الله أن يقبل توبة بنى إسرائيل إلّا بالحال الّتى كرهوا أن يقاتلوهم حين عبدوا العجل.
وقال قتادة: جعل الله توبة عبدة العجل القتل لأنّهم ارتدّوا، والكفر مبيح للدّم.
وقال الكسائىّ: لمّا قال موسى لبنى إسرائيل: يا قوم إنّكم ظلمتم أنفسكم باتّخاذكم العجل، سألوه أن يتوب الله تعالى عليهم؛ فسأل الله تعالى، فأوحى الله تعالى إليه أنّه لا توبة لهم، لأنّ فى قلوبهم حبّ العجل، فاجمع رماد العجل وألقه فى الماء، وأمرهم أن يشربوا منه فإنه يظهر ما فى قلوبهم على وجوههم. ففعل ذلك؛ فلمّا شربوا لم يبق أحد ممّا فى قلبه مرض إلا اصفرّ وجهه ولونه وورم بطنه، ودام ذلك بهم، فقالوا: يا موسى، هل شىء غير التوبة الخالصة وقد أخلصنا فى توبتنا حتى لو أمرتنا بقتل أنفسنا فعلنا؟ فأوحى الله إليه: يا موسى قد رضيت بحكمهم على أنفسهم، فقل لهم: بقتلوا أنفسهم إن كانوا صادقين فى توبتهم. فقال لهم موسى ما أمرهم الله به: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
. فقالوا: كيف نقتل أنفسنا؟ قال: يقوم من لم يعبد العجل إلى من عبده فيقتله. فقاموا بالسيوف والخناجر إلى الّذين عبدوه وأرسل الله عليهم ظلمة فلم يبصر بعضهم بعضا، حتى كان الرجل يأتى إلى أخيه وأبيه وابن عمه وقرابته فيقتله وهو لا يعرفه، ولم يعمل السلاح فيمن لم يعبد العجل حتى خاضوا فى الدماء، وصاح النساء والصبيان إلى موسى:«العفو يا نبىّ الله» فدعا موسى الله بالعفو عنهم؛ فلم يعمل السلاح فيهم بعد ذلك، وقبل الله تعالى توبتهم، وارتفعت الظّلمة عنهم.