فلبث طالوت زمنا يريد قتل داود، فعزم على أن يأتيه ويغتاله فى داره، فأخبر بذلك بنت طالوت رجل يقال له: ذو العينين، فقالت لداود: إنك مقتول الليلة؛ قال: ومن يقتلنى؟ قالت: أبى، وأخبرته الخبر وقالت: لا عليك أن تغيب الليلة حتى تنظر مصداق ذلك. فأخذ داود زقّ خمر فوضعه فى مضجعه على السّرير وسجّاه ودخل تحت السّرير ودخل طالوت نصف الليل، فعمد إليه فضربه ضربة بالسيف فسالت الخمر، فلمّا وجد ريحها قال: رحم الله داود، ما كان أكثر شربه للخمر، وخرج، فلمّا أصبح علم أنه لم يصنع شيئا، فقال: إنّ رجلا طلبت منه ما طلبت لخليق ألّا يدعنى حتى يطلب منى ثأره؛ فاشتدّ حجّابه وحرّاسه وأغلق دونه الأبواب، فأتاه داود ليلة وقد هدأت العيون وأعمى الله الحجّاب عنه وفتح له الأبواب، ودخل عليه وهو نائم على فراشه فوضع سهما عند رأسه وسهما عند رجليه وسهما عن يمينه وسهما عن شماله ثم خرج. فلمّا استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها، فقال: رحم الله داود فهو خير منّى، ظفرت به فقصدت قتله، وظفر بى فكفّ عنّى، لو شاء لوضع هذا السهم فى حلقى وما أنا بالذى آمنه. فلمّا كانت الليلة القابلة أتاه ثانيا، وأعمى الله الحجّاب، فدخل وهو نائم، فأخذ إبريق طالوت الذى كان يتوضّأ به وكوزه الذى يشرب منه، وقطع شعرات من لحيته وشيئا من هدب ثيابه، ثم خرج وهرب وتوارى؛ فلمّا أصبح ورأى ذلك نصب على داود العيون وطلبه أشدّ الطلب فلم يقدر عليه، ثم ركب طالوت يوما فوجد داود يمشى فى البرّيّة فقال: اليوم أقتل داود، وكان داود إذا فرّ لم يدرك، فركض داود حتى دخل غارا، فأمر الله العنكبوت أن تنسج، فنسجت عليه بيتا، وجاء طالوت إلى الغار فنظر الى بيت العنكبوت فقال: لو كان هاهنا لخرق بيت العنكبوت، فتركه ومضى، وانطلق داود إلى الجبل ومعه المتعبّدون، فجعل يتعبّد فيه.