وما هى؟ قال: هذا طالوت يسأل هل له من توبة؟ فقالت: لا والله ما لطالوت من توبة، ولكن هل تعلمون مكان قبر أشمويل؟ قال نعم. قالت: فانطلقوا بى إلى قبره، ففعلوا، فصلّت ثم نادت: يا صاحب القبر أخرج. فخرج أشمويل من قبره ينفض رأسه من التراب. فلمّا نظر إليهم ثلاثتهم. المرأة والجبّار وطالوت قال: مالكم! أقامت القيامة؟ قالت: لا، ولكنّ طالوت يسألك هل له من توبة؟
قال أشمويل: يا طالوت، ما فعلت بعدى؟ قال: لم أدع من الشرّ شيئا إلّا فعلته، وقد جئت أطلب التوبة. قال: كم لك من الولد؟ قال: عشرة رجال. قال:
ما أعلم لك من توبة إلّا أن تتخلّى عن مالك وتخرج أنت وولدك فى سبيل الله، ثم تقدّم ولدك حتى يقتلوا بين يديك، ثم تقاتل أنت حتى تقتل آخرهم. ثم رجع أشمويل إلى القبر وسقط ميّتا، ورجع طالوت أحزن ما كان، رهبة ألّا يتابعه أولاده، وقد بكى حتى سقطت أشفار عينيه، ونحل جسمه. فدخل عليه أولاده فقال لهم: أرأيتم لو دفعت إلى النار هل كنتم تنقذوننى؟ قالوا: بلى، ننقذك بما قدرنا عليه. قال: فإنها النار إن لم تفعلوا ما أقول. قالوا: فاعرض علينا، فذكر لهم القصة. قالوا: فإنك لمقتول؟! قال نعم. قالوا: فلا خير لنا فى الحياة بعدك، قد طابت أنفسنا بالذى سألت. فتجهّز للغز وبماله وولده، فتقدّم ولده فقاتلوا بين يديه حتى قتلوا؛ ثم تقدّم فقاتل بعدهم حتى قتل. فجاء قاتله إلى داود يبشّره وقال: قد قتلت عدوّك. فقال داود: ما أنت بالذى تحيا بعده. فضرب عنقه.
وحكى الكسائىّ: أنّ طالوت لمّا حسد داود على ما أوتى من القوّة، وهمّ بالغدر مرارا فلم يظفر به وظفر به داود فأبقى عليه، اعتذر له طالوت واتفقا؛ ثم مات أشمويل، فانضمّ بنو إسرائيل إلى داود واختلفوا على طالوت وحاربوه؛ فاستقلّ داود بالملك، وجاهد ببنى إسرائيل وقهر الأعداء. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.