جريت هاهنا قطّ؟ قالت: لا يا نبىّ الله، وإنه آخر الدنيا وليس وراءه إلا علم الله تعالى. ثم أمر الريح فاحتملته حتى نظر إلى التّنّين المحدق بالعالم، فسار أياما على طرف من أطرافه فإذا هو بملك، فقال: يابن داود إن هذا التّنين محيط بالعالم الذى هو مسيرة خمسائة عام. ثم ارتفع إلى مستقرّ الغام ونظر إلى مجمع القطر، ونزل من هناك إلى مسكن الليل والنهار فاذا هو بملك يقول: اللهم أعط كل منفق خلفا وكل ممسك تلفا. ثم أمر الريح أن تحطّ بساطه إلى الأرض المقدّسة، وكانت مدّة غيبته مائة وثلاثين يوما. وكان فى طول سفرته هذه يرى شخصا بين يديه يسبق كل شىء، فسأله من هو؟ فأخبره أنه ملك الموت، فوقعت عليه الرّعدة وتغيّر لونه وجعل ابنه رحبعم خليفته، وأوصى الناس بالسمع والطاعة له. وأخذ فى الصوم والصلاة طول ليله، فإذا أصبح خرج من محرابه إلى روضة هناك فيها نبات حسن يتسلّى به. فخرج فى بعض الأيام فرأى نبتا غريبا لم يكن قد رآه قبل ذلك اليوم. فقال: أيها النبت ما أنت؟ قال: أنا الخرنوب الذى لا أنبت فى موضع إلا خرّبته. فقال سليمان: فما تصنع هاهنا فلست من نبات الرياض بل من نبات البرارى؟ قال: قد أمرت أن أنبت هاهنا. فعاد سليمان من الغد وهو على حاله وقد زاد نباته. فقال له سليمان: ألم آمرك أن تلحق بموضعك من البرراى!. قال الخرنوب: يا نبىّ الله. إنّ هذا الموضع سيخرب عن قريب، فسكت سليمان. فلما ضعف عن العبادة توكأ على عصاه. فبينا هو فى محرابه متوكئا قائما يتلو الزّبور والتوراة إذ أتاه ملك الموت، فرفع رأسه إليه فناوله شمّة فشمّها فمات.
وبقى سليمان على حالته لم يسقط إلى الأرض ولم يتحرّك ولا مال. فهابوه وما جسروا أن يتقدّموا إليه. وقالوا: إنه لم يمت، ولم تزل الإنس والجنّ والشياطين والوحش