لا يخلف الميعاد وأنا به واثق. فلمّا قرب الأجل وعزم الله عز وجل على هلاكهم بعث الله تعالى إلى إرميا ملكا فتمثّل له رجلا من بنى إسرائيل فقال له: يا نبىّ الله، أستفتيك فى أهل رحمى، وصلت أرحامهم ولم آت اليهم إلا حسنا، ولا يزيد إكرامى إيّاهم إلا إسخاطا لى، فأفتنى فيهم. فقال له: أحسن فيما بينك وبين الله وصلهم وأبشر بخير. فانصرف الملك فمكث أياما ثم أقبل إليه فى صورة ذلك الرجل فقعد بين يديه، فقال له إرميا: أو ما ظهرت أخلاقهم لك بعد؟ فقال:
يا نبىّ الله، والذى بعثك بالحقّ ما أعلم كرامة يأتيها أحد من الناس إلى أهل رحمه إلا قدّمتها إليهم وأفضل. فقال له إرميا: ارجع إلى أهلك وأحسن إليهم، واسأل الله تعالى الذى أصلح عباده الصالحين أن يصلحهم. فقام الملك فمكث أيّاما وقد نزل بختنصّر وجنوده حول بيت المقدس بأكثر من الجراد، ففزع منهم بنو إسرائيل وشقّ عليهم. فقال ملكهم لإرميا: يا نبىّ الله، أين ما وعدك الله؟ قال: إنى بربّى واثق. ثم أقبل الملك إلى إرميا وهو قاعد على جدار بيت المقدس وهو يضحك ويستبشر بنصر ربّه الذى وعده، فقعد بين يديه وقال له: أنا الذى أتيتك فى شأن أهلى مرّتين. فقال إرميا: ألم يأن لهم أن يفيقوا من الذى هم فيه؟ فقال الملك:
يا نبىّ الله، كل شىء يصيبنى منهم قبل اليوم كنت أصبر عليه، فاليوم رأيتهم فى عمل لا يرضى الله عزّ وجل. فقال إرميا: على أىّ عمل رأيتهم؟ قال: على عمل عظيم من سخط الله، فغضبت لله ولك وأتيتك لأخبرك. وإنى أسألك بالله الذى بعثك بالحقّ إلّا ما دعوت الله عليهم ليهلكهم. قال إرميا: يا ملك السموات والأرض إن كانوا على حقّ وصواب فأبقهم، وإن كانوا على سخطك وعمل لا ترضاه فأهلكهم. فلمّا خرجت الكلمة من فم إرميا أرسل الله عز وجل صاعقة من السماء فى بيت المقدس فالتهب مكان القربان وخسف بسبعة أبواب من أبوابها.