فى المنام مسكين ببابل يقال له بختنصّر، فانطلق بمال وأعبد له وكان رجلا موسرا. فقيل له: أين تريد؟ قال: أريد التجارة. فسار حتى نزل بابل، فنزل دارا فاكتراها، ليس فيها أحد غيره، فجعل يدعو المساكين ويلطف بهم حتى لا يأتيه أحد إلا أعطاه. فقال: هل بقى مسكين غيركم؟ قالوا: نعم، مسكين بفجّ آل فلان مريض يقال له بختنصّر. فقال لغلمته: انطلقوا بنا، فانطلق حتى أتاه فقال له: ما اسمك؟ قال بختنصّر. فقال لغلمته: احتملوه، فنقله إليه فمرّضه حتى برئ، فكساه وأعطاه نفقة، ثم آذن الإسرائيلىّ بالرحيل، فبكى بختنصّر. فقال له الإسرائيلىّ: ما يبكيك؟ قال: أبكى أنك فعلت بى ما فعلت، ولا أجد شيئا أجزيك به. قال: بلى، شيئا يسيرا. فقال له: وما هو؟ قال: إن ملّكت أطعتنى. فجعل يتبعه ويقول: تستهزئ بى! ولا يمنعه من أن يعطيه ما سأله إلّا أنه يرى أنه يستهزئ به. فبكى الإسرائيلى وقال: لقد علمت ما يمنعك مما سألتك إلّا أنّ الله تعالى يريد أن ينفّذ ما قد أمضى وكتب فى كتابه.
قال: وضرب الدهر ضربانه «١» فقال صيحون «٢» وهو ملك فارس ببابل: لو أنّا بعثنا طليعة إلى الشام؟ قالوا: وما ضرّك لو فعلت؟ قال: فمن ترون؟ قالوا: فلان.
فبعث رجلا وأعطاه مائة ألف فارس، وخرج بختنصّر فى مطبخه لا يخرج إلا ليأكل من مطبخه [ويعيش منه «٣» ] . فلمّا قدم الشام رأى صاحب الطليعة أكثر خلق الله فرسانا ورجالا، فكسر ذلك فى ذرعه فلم يسأل. فجعل بختنصّر يجلس فى مجالس