شىء إلّا أحرقه. فبينا الناس يقولون: أين نطلب يونس إذا هم بالملك قد خرج عليهم وجميع أصحابه وهم يقولون: أين أنت يا يونس! فإنا لا نعود إلى مخالفتك، فلم يجدوه. فأقبل عليهم سنجير الوزير وقال: أيها الملك، إن يكن يونس قد غاب عنّا فإن إلهه لم يغب، فتعالوا حتى نتضرّع إلى الله لعلّه يرحمنا. فخرجوا بأجمعهم ونسائهم وأطفالهم إلى ظاهر البلد يبكون ويتضرّعون، فقام سنجير فيهم وقال:
إلهنا إنك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا فاغفر لنا واعف عنا. اللهم أعتقنا من عذابك فإنّا قد آمنا بنبيّك يونس وبجميع النبيّين فاغفر لنا ذنوبنا، ثم خرّوا سجّدا بأجمعهم.
فأوحى الله تعالى إلى ملائكة العذاب أن ارجعوا، فانصرفت السحابة عنهم، وسمعوا صوتا: أبشروا يأهل نينوى برحمة من ربكم؛ فرجعوا إلى المدينة وقد آمنوا.
وجاء يونس لينظر إلى ما نزل بهم من العذاب، فلقيه إبليس فى صورة شيخ. فقال له يونس: من أين أقبلت أيها الشيخ؟ [قال «١» ] : من نينوى. قال: فما نزل بهم اليوم؟ قال: ما نزل بنا إلّا سحابة بيضاء أمطرت مطرا جودا «٢» ، وكان يونس قد وعدنا بالعذاب فلم يكن وعلمنا كذبه. فغضب يونس وقال: لا أعود إلى قوم كذّبونى، وسار. قال الله تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ «٣»
. قال مجاهد وقتادة والضّحاك والكلبىّ: معناه أن لن نقضى عليه بالعقوبة، وهى رواية العوفىّ عن ابن عبّاس؛ ودليل ذلك قراءة عمر بن عبد العزيز والزّهرىّ «فظنّ أن لن نقدّر عليه» بالتشديد. وقال عطاء وكثير من العلماء: معناه نضيّق عليه الحبس.