ألّا أترك نافخ نار ذكر أو أنثى إلا قتلته. فلمّا رأوا الجهد وشدّة القتل صدقوه الخبر فقالوا: إن هذا دم نبىّ منّا كان ينهانا عن أمور كثيرة من سخط الله، فلو أطعناه لكان أرشد لنا، وكان يخبرنا بأمركم فلم نصدّقه فقتلناه فهذا دمه. فقال لهم: ما كان اسمه؟
قالوا: كان اسمه يحيى بن زكريّا. قال: الآن صدقتمونى، لمثل هذا ينتقم منكم ربكم.
ولمّا رأى أنهم قد صدقوه خرّ ساجدا وقال لمن حوله: أغلقوا باب المدينة وأخرجوا من كان هاهنا من جيش خردوس. وخلا فى بنى إسرائيل ثم قال: يا يحيى بن زكريا، قد علم ربّى وربّك ما قد أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم، فاهدأ بإذن الله تعالى قبل ألّا أبقى من قومك أحدا، فهدأ دم يحيى بن زكريّا بإذن الله تعالى، ورفع نبوزرادان عنهم القتل وقال: آمنت بما آمنت به بنو إسرائيل وصدّقت به وأيقنت أنه لا ربّ غيره. فأوحى الله تعالى الى رأس من رءوس بقيّة الأنبياء عليهم السلام أن نبوزرادان حبور صدوق- والحبور بالعبرانية حديث الإيمان- فقال نبوزرادان:
يا بنى إسرائيل، إنّ عدوّ الله خردوس أمرنى أن أقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره، وإنى لست أستطيع أن أعصيه. قالوا له: افعل ما أمرت به، فأمرهم أن يحفروا خندقا وأمر بأموالهم من الخيل والبغال والحمر والبقر والغنم فذبحها حتى سال الدم فى العسكر، وأمر بالقتلى الذين كانوا قتلوا قبل ذلك فطرحوا على ما قتل من مواشيهم حتى كانوا فوقها. فلمّا بلغ الدم عسكر خردوس أرسل الى نبوزرادان أن ارفع عنهم القتل فقد بلغتنى دماؤهم. ثم انصرف عنهم الى بابل وقد أفنى بنى إسرائيل أو كاد. وهذه هى الوقعة الآخرة التى أنزل الله تعالى فيها وفى الأولى: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً* فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ «١»