يا جرجيس أأنت تصنع هذه الأعاجيب أم ربّك! فإن كان ربك هو الذى يصنع هذا فادعه يحى موتانا؛ فإنّ فى هذه القبور أمواتا منهم من يعرف ومنهم من لا يعرف.
فقال له جرجيس: لقد علمت ما يصفح الله عنكم هذا الصفح ويريكم هذه الأعاجيب إلّا كانت عليكم حجّة، فتستوجبوا غضبه، ثم أمر بالقبور فنبشت وهى عظام رفات وأقبل على الدعاء، فما برحوا من مكانهم حتى نظروا الى سبعة عشر إنسانا: تسعة رهط وخمس نسوة وثلاثة صبية، واذا فيهم شيخ كبير. فقال له جرجيس: يا شيخ، ما اسمك؟ فقال: يا جرجيس اسمى نوبيل. قال: متى متّ؟ قال: فى زمان كذا وكذا. فحسبوا فإذا هو مات منذ أربعمائة سنة. فلمّا نظر الملك وأصحابه الى ذلك قالوا: ما بقى من أصناف العذاب شىء إلّا وقد عذّبتموه به إلّا الجوع والعطش، فعذّبوه بهما. فعمدوا الى بيت عجوز كبيرة، وكان لها ابن أعمى أصمّ أبكم مقعد، فحصروه فى بيتها ولا يصل اليه من عند أحد طعام ولا شراب.
فلمّا بلغ به الجوع قال للعجوز: هل بقى عندك من طعام أو شراب؟ قالت:
لا والذى يحلف به ما عهدنا الطعام منذ كذا وكذا، وسأخرج ألتمس لك شيئا.
فقال لها جرجيس: هل تعرفين الله تعالى؟ قالت نعم. قال: فإيّاه تعبدين؟ قالت لا.
فدعاها الى الله عز وجلّ فصدّقته، وانطلقت تطلب له شيئا، وفى بيتها دعامة من خشبة يابسة تحمل خشب البيت، فأقبل على الدعاء، فاخضرّت تلك الدّعامة وأنبتت له كل فاكهة تؤكل أو تعرف، حتى كان فيها اللّوبيا واللّبان «١» مثل البردىّ يكون بالشام، وظهر للدّعامة فروع من فوق البيت أظلّته وما حوله. فأقبلت العجوز وهو فيما شاء يأكل رغدا. فلمّا رأت الذى حدث فى بيتها من بعدها قالت: آمنت بالذى أطعمك، فادع هذا الرّب العظيم ليشفى ابنى. قال: ادنيه منّى، فأدنته، فبصق