وترك طلب المعيشة. قالوا: وهم يرزقون التنيّن فى أيام الربيع، يقذفه عليهم السحاب من البحر فى كل عام مرّة. فإذا تأخّر عنهم وقت عادته استمطروه كما يستمطر الغيث لحينه، فإن قذفوا به أخصبوا وسمنوا وتوالدوا وكثروا وأكلوا منه حولا كاملا لا يأكلون غيره، ويقدّدونه فيعمّهم على كثرتهم. قال: وهم يتداعون تداعى الحمام، ويعوون عواء الذئاب، ويتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا. فلمّا عاينهم ذو القرنين انصرف إلى ما بين الصّدفين فقاس ما بينهما، ثم أوقد على ما جمع من الحديد والنحاس فصنع منه زبرا أمثال الصخور العظام، ثم أذاب النّحاس فجعله كالطين وألاط به تلك الصخور الحديد ثم بناه.
قالوا: وكيفيّة بنائه على ما ذكره أهل السّير: أنه لمّا قاس ما بين الجبلين وجد ما بينهما مائة فرسخ، ثم حفر له الأساس حتى بلغ الماء، وجعل عرضه خمسين فرسخا، ثم وضع الحطب بين الجبلين، ثم نسج عليه الحديد، ثم نسج الحطب على الحديد، فلم يزل يحوّل الحديد على الحطب والحطب على الحديد حتى ساوى بين الصّدفين، وهما الجبلان، ثم أمر بالنار فأرسلت فيه، ثم قال انفخوا ثم جعل يفرغ القطر «١» وهو النحاس المذاب، فجعلت النار تأكل الحطب ويصير النحاس مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس، فصار كأنه برد «٢» حبرة من صفرة النحاس وحمرته، وسواد الحديد وغبرته؛ فصار سدّا طويلا عظيما حصينا.
قال الله تعالى: فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً «٣»
وقد روى أنّ رجلا قال يا رسول الله قد رأيت سدّ يأجوج ومأجوج. قال:«انعته لى» .
قال: كالبرد المحبّر، طريقة سوداء، وطريقة حمراء. قال:«قد رأيته» .