للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو الذى عمل فى أنديمس المدينة بيتا تدور به تماثيل لجميع العلل، وكتب على رأس كل تمثال ما يصلح له من العلاج، فانتفع الناس بها زمانا إلى أن أفسدها بعض الملوك ضنّا بالحكمة. وعمل فى هذه المدينة صورة امرأة مبتسمة لا يراها مهموم إلا زال همّه ونسيه؛ وكان الناس يأتونها ويطوفون حولها ثم عبدوها من بعد. وعمل تمثالا روحانيّا من صفر مذهب بجناحين لا يمرّ به زان ولا زانية إلا كشف عورته بيده، وكان الناس يمتحنون به فامتنعوا من الزنا فرقا منه، واستمرّ كذلك إلى زمن كلكمن الملك؛ وذلك أن بعض نسائه، وكانت حظية عنده، عشقت رجلا من خدم الملك وخافت أن ينتهى إليه خبرها فيمتحنها بذلك الصنم فيقتلها، فاحتالت لذلك فخلا بها الملك فى بعض الليال، وهما يشربان، فأخذت فى ذكر الزوانى وجعلت تسبهنّ وتذمهنّ، فذكر الملك ذلك الصنم وما فيه من المنافع للناس، وما يستحقّ من عمله من الثناء والذكر الجميل؛ فقالت المرأة:

إنه كذلك وقد صدق الملك، غير أن منقاوش لم يصب الرأى فى أمره؛ قال الملك:

وكيف قلت ذلك؟ قالت: لأنه أتعب نفسه وحكماءه فيما جعله لصلاح العامّة دون نفسه، وهذا أكبر العجز؛ وإنما كان حكم هذا التمثال أن ينصب فى دار الملك حيث تكون نساؤه وجواريه، فإن اقترفت إحداهنّ ذنبا علم بها فيكون رادعا لهنّ متى عرض بقلوبهنّ شىء من الشهوة؛ لأن شهواتهنّ أغلب وأكثر من شهوات الرجال؛ ولو حدث- وأعوذ بسعد الله الأعلى- فى دار الملك شىء من هذا فأحبّ امتحانه فضح نفسه وشاع فى الخاصّ والعامّ أمره، وإن عاقب بغير أمر يتحققه كان متعدّيا آثما، وإن لم يمتحنه صبر على المكروه. قال الملك: صدقت، فكيف الوجه فى هذا الأمر؟ قالت: يأمر الملك بنزع هذا الصنم من مكانه ونقله إلى داره ففعل فبطل عمله، وامتحن فلم يصنع شيئا، فعملت المرأة ما كانت همت به وانهمكت فيه.