بيوت الأموال. فلما كان فى بعض الأحيان ركب الى بعض متنزهاته وصيده فجنّه الليل وهو يسير نحو المدائن، وكانت ليلة قمراء. فدعا بالموبذ لأمر خطر بباله، والموبذ عند المجوس كالقسيس عند النصارى، فجعل يحادثه فتوسطا فى مسيرهم بين خرابات كانت من أمهات الضياع فخربت فى ملكه، وإذا بوم يصيح وآخر يحاوبه، فقال الملك: أترى أحدا من الناس أعطى فهم ما يقول هذا الطائر؟
فقال الموبذ: أنا أيها الملك ممن خصه الله تعالى بذلك. قال: فما يقول هذا الطائر، وما يقول الآخر؟ فقال الموبذ: هذا يوم ذكر يخاطب بومة أنثى ويقول:
متّعينى من نفسك حتى يخرج من بيننا أولاد يسبحون الله تعالى. فأجابته البومة:
إن الذى دعوتنى اليه هو الحظ الأكبر، والنصيب الأوفر، إلا أننى أشترط عليك شرائط. فقال: وما هى؟ فقالت: أن تقطعنى من خرابات أمهات الديار عشرين قرية مما خربت فى أيام هذا الملك السعيد. فقال له الملك: فما الذى قال الذكر؟
قال الموبذ: كان من قوله لها: إن دامت أيام هذا الملك السعيد أقطعتك منها ألف قرية، فما تصنعين بها؟ قالت: فى اجتماعنا ظهور النسل وكثرة الولد، فنقطع كل واحد من الأولاد ضيعة. فقال الذكر: هذا سهل ما حيى الملك.
فلما سمع الملك هذا الكلام من الموبذ عمل فى نفسه وفكر فيما خوطب به، فنزل من ساعته وخلا بالموبذ وقال له: ما هذا الكلام الذى خاطبتنى به؟ فقد حركت منى ما كان ساكنا. فقال: صادفت من الملك وقت سعد بالعباد والبلاد، فجعلت الكلام مثلا وموقظا على لسان الطائر عند سؤال الملك إياى. فقال له الملك:
أيها الناصح للملك، [المنبه «١» على] ما أغفله من أمور ملكه، وأضاعه من أمور بلاده ورعيته، اكشف لى عن هذا الغرض ما المراد منه. فقال له: أيها الملك! ان الملك