للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صائر إلىّ، وأولى ما كلّف به الملوك وطلبوه صالح العلم؛ لأنه زين لهم وركن، وبه يعرفون. أما تعلم أن كل ما يتقدّم فى طلبه، ينال فى وقته، وما لم يتقدّم فيه ويطلب فى وقته، ينال فى غير وقته، وما يفرّط فيه وفى طلبه يفوت ولا ينال؟

عجّل علىّ بما سألتك. فبعث المنذر من ساعته إلى باب الملك من أتاه برهط من المعلمين الفقهاء والرماة، وجمع له حكماء الروم وفارس وغيرهم، وألزمهم إياه، ووقّت أوقاتا لكل منهم؛ فتعلّم بهرام من كل علم أحسنه، وسمع الحكمة ووعى ما سمع منها، وثقف كلّ ما علم بأيسر شىء، وبلغ أربع عشرة سنة، وقد فاق معلّميه، وحفظ للنعمان حقّ التربية، فملّكه على العرب لمّا صار الملك إليه.

ولما هلك بهرام جور ملك بعده ابنه يزدجرد بن بهرام جور؛ فسار بسيرة أبيه؛ ولم يزل قامعا لعدوّه، كثير الرفق برعيته. وكان له ابنان أحدهما يسمّى هرمز، والآخر فيروز. ودام ملك يزدجرد تسع عشرة سنة، وقيل ثمانى عشرة سنة وأربعة أشهر وثمانية عشر يوما ثم هلك.

فتغلّب على الملك بعده ابنه هرمز بن يزدجرد. ولما ملك هرمز هرب منه فيروز ولحق ببلاد الهياطلة «١» ، وأخبر ملكها بقصته وقصة أخيه هرمز، وذكر أنه أحقّ منه بالملك، وسأله أن يمدّه بجيش يقاتل به أخاه، فأبى عليه ملك الهياطلة وقال:

سأعلم خبره ثم آمرك بعد ذلك بما تفعل. وكشف ملك الهياطلة عن خبر هرمز وتعرّف أحواله فبلغه أنه غشوم ظلوم؛ فقال عند ذلك: إن الجور لا يرضاه الله تعالى، ولا يصلح عليه الملك، ولا تقوم به سياسته؛ وأمدّ فيروز بالعساكر ودفع له الطالقان «٢» ؛ فأقبل فيروز من عنده بجيش طخارستان وطوائف خراسان، فظفر بأخيه فحبسه.