للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الى الحارث بن عمرو يقول: إنه كان بيننا وبين الملك الذى كان قبلك عهد، وإنى أحبّ لقاءك؛ وخرج للقائه فى عدد وعدّة، وجاءه الحارث والتقيا بمكان، فأمر قباذ بطبق من تمر فنزع نواه وبطبق آخر على حالته، فوضعا بين أيديهما، وجعل المنزوع بين يدى قباذ، والذى هو بنواه بين يدى الحارث، فجعل الحارث يأكل التمر ويلقى النوى، وقباذ يأكل التمر ولا يحتاج الى إلقاء شىء. فقال للحارث: مالك لا تأكل كما آكل؟ فقال الحارث: إنما يأكل النوى إبلنا وغنمنا، وعلم أن قباذ يهزأ به. ثم افترقا على الصلح على ألا يجاوز الحارث وأصحابه الفرات، إلا أن الحارث استضعف قباذ وطمع فيه، فأمر أصحابه أن يغبروا الفرات ويغيروا على قرى السواد ففعلوا ذلك، فجاء الصريخ الى قباذ وهو بالمدائن، فكتب الى الحارث بن عمرو أن لصوصا من العرب قد أغاروا على السواد، وأنه يحب لقاءه فلقيه، فقال قباذ كالعاتب له: قد صنعت صنيعا ما صنعه أحد قبلك، فطمع الحارث فيه من لين كلامه وقال: ما علمت بذلك ولا شعرت به، وإنى لا أستطيع ضبط لصوص العرب، وما كل العرب تحت طاعتى، ولا أتمكن منهم إلا بالمال والجنود.

فقال له قباذ: فما الذى تريد؟ قال: أريد أن تعطينى من السواد ما أتخذ به سلاحا، فأمر له بما بلى جانب العرب من أسفل الفرات؛ وهو ستة طساسيج؛ فعند ذلك زاد طمع العرب فيه، أرسل الحارث بن عمرو الى تبّع وهو باليمن:

إنى قد طمعت فى ملك الأعاجم، وقد أخذت منه ستة طساسيج، فأجمع الجنود وأقبل فإنه ليس دون ملكهم شىء؛ لأن الملك عليهم لا يأكل اللحم ولا يستحل هراقة الدماء، وله دين يمنعه من ضبط الملك؛ فبادر إليه بجندك وعدّتك، وأطمعه فى الفرس. فجمع تبّع جنوده وسار حتى نزل الحيرة، وقرب من الفرات، فآذاه البقّ، فأمر الحارث بن عمرو أن يشق له نهر الحيرة فنزل عليه، ووجه ابن أخته