ولما استتبّ له الأمر ووظّف الوظائف على الترك والخزر والهند والروم وغيرهم، نظر فى الخراج وأبواب المال. وكانت رسوم الناس جارية على الثلث من البقاع، ومن بعضها الربع والخمس والسدس على حسب العمارة. وكان قباذ أبوه قد مسح الأرض وهلك قبل أن يستحكم له أمر تلك المساحة؛ فجمع أنوشروان أهل الرأى فاتفقوا على أن جعلوا على كل جريب من الحنطة والشعير درهما، وعلى الجريب من الكرم ثمانية دراهم، وعلى الرّطاب تسعة دراهم، وعلى كل أربع نخلات فارسية درهما، وعلى كل ستّ نخلات دقل «١» مثل ذلك، وعلى كل ستة أصول زيتون مثل ذلك، ولم يضعوا إلا على نخل فى حديقة، أو مجتمع غير شاذّ، وتركوا فيما سوى ذلك من الغلّات السبع، وألزموا الناس الجزية ما خلا أهل البيوتات والعظماء والمقاتلة والهرابذة والكتّاب، ومن كان فى خدمة الملك، وصيروها على طبقات: اثنى عشر درهما، وثمانية دراهم، وستة دراهم، وأربعة دراهم، على قدر إكثار الرجل وإقلاله، ولم يلزموا الجزية من كان أتى له من السنين دون العشرين أو فوق الخمسين، ورفعوا هذه الوضائع الى كسرى فرضيها وأمر بإمضائها وجباية مبلغها فى ثلاثة أنجم فى كل سنة، وسماها ابراسيار. ومعنى ذلك الأمر المتراضى به.
وكان أنوشروان- لما أراد أن يضع هذه الوضائع- أمر بإتمام المساحة التى بدأ بها قباذ، وأحصى النخل والزيتون وغير ذلك، والجماجم؛ ثم أمر الكتاب فأخرجوا جمل ذلك غير تفصيله، وأذن للناس إذنا عامّا، وأمر كاتب خراجه أن يقرأ عليهم الجمل المستخرجة من أصناف الغلّات وعدد النخل والزيتون والجماجم، فقرأ ذلك عليهم. ثم قال كسرى: إنا قد رأينا أن نضع على ما أحصى من جربان «٢»