وقوّة العداوة فيما بينهم والفساد منهم. ثم ارتفع ذلك إلى أن قتله صاحب حرسه وأمينه على دمه، للذى شمل قلوب العامة من الشر والضغينة، ونبت فيها من العداوة والفرقة، وكفى الإسكندر مؤنة نفسه؛ وقد اتعظت بذلك اليوم وذكرته.
يأيها الناس، فلا أسمعنّ فى هذه النعمة تفرقا ولا بغيا ولا حسدا ظاهرا، ولا وشاية ولا سعاية، فإن الله قد طهّر من ذلك أخلاقنا وملكنا، وأكرم عنه ولا يتنا، وما نلت ما نلت بنعمة ربنا وحمده بشىء من الأمور الخبيثة التى نفتها العلماء، وعافتها الحكماء؛ ولكن نلت هذه الرتبة بالصحة والسلامة، والحب للرعية، والوفاء والعدل والاستقامة والتؤدة. وإنما تركنا أن نأخذ عن هذه الأمم التى سميناها، أعنى من الترك والبربر والزنج والجبال وغيرهم، مثل ما أخذنا عن الهند والروم لظهور هذه الأخلاق فيهم وغلبتها عليهم. ولا تصلح أمة قط وملكها على ظهور هذه الأخلاق التى هى أعدى أعدائكم.
يأيها الناس، إن فيما بسط الله علينا بالسلامة والعافية والاستصلاح غنى لنا عما نطلب بهذه الأخلاق الرديئة المشئومة؛ فأكفونى فى ذلك أنفسكم، فإنّ قهر هذه الأعداء أحبّ إلىّ وخير لكم من قهر أعدائكم من الترك والروم. فأما أنا أيها الناس فقد طبت نفسا بترك هذه الأمور ومحقها وقمعها ونفيها عنكم.
يأيها الناس، إنى قد أحببت أن أنفى عدوّكم الظاهر والباطن؛ فأما الظاهر منهما فإنّا بحمد الله ونعمته قد نفيناه وأعاننا الله عليه وحصد لنا شوكته، وأحسنتم فيه وأجملتم وآسيتم وأجهدتم، فافعلوا فى هذا العدوّ كما فعلتم فى ذلك العدوّ، واعملوا فيه كالذى عملتم فى ذلك، واحفظوا عنّى ما أوصيكم به فإنى شفيق عليكم ناصح لكم.
أيها الناس، من أحيا هذه الأمور فينا فقد أفسد بلاءه عندنا بقتاله من كان يقاتلنا من أعدائنا، فإن هذه أكثر مضرة، وأشدّ شوكة، وأعظم بلية، وأضر تبعة.