فهذه كانت سيرته فى العدل، وهذا كان خوف جنده وأساورته منه. وكان مظفّرا منصورا، وكان أديبا داهيا، إلا أنه كان مقصيا للأشراف وأهل البيوتات والعلماء. وقيل: إنه قتل ثلاثة عشر ألف رجل وستمائة رجل منهم، ولم يكن له رأى إلا فى تآلف السّفلة وأسقاط الناس واستصلاحهم. وحبس خلقا كثيرا من العظماء، وحطّ مراتب جماعة كبيرة، وقصّر بالأساورة ففسدت عليه نيات أكابر جنده وعظماء مملكته، فكان عاقبة سوء هذا التدبير أن خرج عليه جماعة من الملوك منهم شابه [شاه «١» ] ملك الترك فى ثلاثمائة ألف مقاتل، وسار إلى باذغيس «٢» ، وذلك بعد مضىّ إحدى عشرة سنة من ملكه، وخرج عليه ملك الروم فى ثمانين ألف مقاتل، وخرج عليه ملك الخزر حتى سار إلى باب الأبواب، وخرج عليه من العرب خلق كثير، فنزلوا فى شاطئ الفرات وشنّوا الغارات على أهل السواد، فاجترأ عليه أعداؤه وغزوا بلاده.
فأما شابه [شاه «٣» ] ملك الترك فإنه أرسل إلى هرمز وإلى عظماء ملكه من الفرس يؤذنهم بإقباله فى جيوشه زمرا زمرا، وأعلمهم أنه يريد غزو الروم، ويسلك إليهم من بلادهم، وأمرهم أن يعقدوا له قناطر على كل نهر يمرّ عليه فى بلادهم من الأنهار التى لا قناطر عليها، وكذلك فى الأودية، وأن يسهّلوا له الطرق والمسالك وقال: فإننى قد أجمعت على المسير إلى بلاد الروم من بلادكم، فاستفظع هرمز ما ورد عليه من ذلك، وجمع أكابر مملكته وعرض ذلك عليهم، وشاورهم فيما يفعله، فاجتمعت الآراء على قصد ملك الترك وحربه، فندب إليه رجلا من أهل الرأى والنجدة يقال له بهرام جوبين، فاختار بهرام من العسكر اثنى عشر ألفا