على ضفة الخليج الذى هو بالقرب منها وخيم هنالك، فأمره كسرى فخرّب بلاد الروم غضبا على أهلها لما انتهكوا من ملكهم وانتقاما له، ومع ذلك لم يخضعوا لابن ملكهم المقتول ولا منحوه الطاعة، ولا مال اليه واحد منهم؛ غير أنهم قتلوا الملك الذى ملّكوه عليهم بعد أبيه المسمى قوقا لما ظهر لهم من فجوره وسوء تدبيره؛ وملّكوا عليهم رجلا يقال له هرقل. فلما رأى هرقل عظم ما فيه أهل بلاد الروم من تخريب جنود فارس بلادهم، وقتلهم مقاتلتهم، وسبيهم ذراريهم، واستباحتهم أموالهم تضرّع إلى الله وأكثر الدعاء وابتهل. فيقال إنه رأى فى منامه رجلا ضخم الجثة رفيع المجلس قد دخل عليه، فدخل عليهما داخل فألقى ذلك الرجل عن مجلسه وقال لهرقل: إنى قد أسلمته فى يدك، فلم يقصص رؤياه تلك فى يقظته على أحد حتى توالت عليه أمثالها، فرأى فى بعض لياليه كأن رجلا دخل عليهما وبيده سلسلة طويلة فألقاها فى عنق صاحبه، أعنى صاحب المجلس الرفيع، ثم دفعه إليه وقال له: ها قد دفعت اليك كسرى برقبته.
فلما تتابعت هذه الأحلام قصّها على عظماء الروم وذوى العلم منهم، فأشاروا عليه أن يغزوه، فاستعدّ هرقل واستخلف ابنه على مدينة قسطنطينية، وأخذ عن الطريق الذى فيه شهرياز «١» صاحب كسرى وعدل الى غيرها، وسار حتى أوغل فى بلاد أرمينية ونزل نصيبين سنة، وكان صاحب ذلك الثغر من قبل كسرى استدعى لموجدة كانت من كسرى عليه. وأما شهرياز فقد كانت كتب كسرى ترد عليه فى الجثوم على الموضع الذى هو به وترك البراح، ثم بلغه أن هرقل قد أقام بجنوده