للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبل هرقل، فأكّدت هذه الأسباب بغضه، واستطال الناس مدّته، فكان نتيجة ذلك أنّ قوما من العظماء انصرفوا إلى عقر بابل «١» ، وفيه شيرى «٢» بن أبرويز مع إخوته، وقد كان كسرى أبرويز وكّل بهم مؤدّبين وأساورة، يحولون بينهم وبين من يجتمع بهم من الناس، ويمنعونهم من البراح، فأخذه العظماء وأقبلوا به إلى مدينة بهرسير «٣» ودخلوها ليلا، فخلّى عمّن كان فى سجونها وأخرجهم، واجتمع إليه الفلّ الذين كانوا غلبوا وفرّوا من هرقل وأمر كسرى بقتلهم، فنادوا: قباذ شاهنشاه، وصاروا كلّهم عند الصباح إلى رحبة كسرى، فهرب الحرس، وانحاز كسرى بنفسه إلى باغ «٤» له بالقرب من قصره، يعرف بباغ الهندوان «٥» ، فارّا مرعوبا، فأخذ وحبس بمكان غير دار المملكة، فى دار رجل يقال له: مار اسفند، إلى أن قتل بعد حديث طويل ومراسلات كانت بينه وبين ابنه شيرى بمواطأة العظماء، بعد تقريع عظيم، وتوبيخ كثير، على ما كان منه، ومن سوء تدبيره، وقبح فعاله، وهو يجيبهم بأجوبة إقناعيّة، وله مراسلات ووصايا كتبها إلى ابنه من السجن؛ قد ذكرنا بعضها فيما سلف من هذا الكتاب. وكان هلاكه بعد ثمان وثلاثين سنة من ملكه. وبمضىّ آثنتين وثلاثين سنة وخمسة أشهر وخمسة عشر يوما من ملكه، كانت هجرة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.