فكتب إليه الإسكندر فى جواب ذلك: أنه قد فهم ما كتب به، ونظر الى ما أرسله إليه من الصّولجان والكرة وتيمّن به لإلقاء الملقى الكرة الى الصّولجان وإحرازه إيّاها، وأنه شبّه الأرض بالكرة، وتفاءل بملكه إياها واحتوائه عليها، وأنه يجترّ ملك دارا الى ملكه، وبلاده الى حيّزه؛ وأنه نظر الى السمسم الذى بعث به كنظره الى الصولجان والكرة لدسمه، وبعده عن المرارة والحرافة «١» ، وبعث الى دارا مع كتابه بصرّة من خردل، وأعلمه فى الجواب أنّ ما بعث به إليه قليل، غير أن ذلك مثل الذى بعث به فى القوّة والحرافة والمرارة، وأنّ جنوده فيما وصف به منه.
فلمّا وصل الى دارا جواب كتاب الإسكندر. جمع جنده وتأهّب لحربه وسار نحو بلاده، وتأهّب الإسكندر أيضا للقائه وسار نحو دارا، فالتقيا جميعا بأرض الجزيرة «٢» واقتتلا سنة، وقد كان دارا ملّه قومه وأحبّوا الراحة منه، فلحق كثير من وجوه الفرس بالإسكندر وأطلعوه على عورة دارا وقوّوه عليه، ثم وثب على دارا حاجباه فقتلاه وتقرّبا برأسه إلى الإسكندر، فلما أتوه بها أمر بقتلهما وقال:
هذا جزاء من تجرّأ على ملكه.
وقد ذكر أنه سيق اليه أسير غدر به صاحب شرطته، فقال له الإسكندر:
بما اجترأ عليك صاحب شرطتك؟ قال: بتركى ترهيبه وقت إساءته، وإعطائى إيّاه وقت الإحسان باليسير من فعله نهاية رغبته، فقال الإسكندر: نعم العون على إصلاح القلوب الموغرة الترغيب بالأموال، وأصلح منه الترهيب وقت الحاجة، ثم أمر الإسكندر بقتله.