ثم إنه كان فى الطواف فداس رجل طرف ردائه فلطمه جبلة، فأتى الرجل عمر رضى الله عنه فطلب جبلة ليقيده منه فنتصّر جبلة ولحق بهرقل صاحب القسطنطينية، فأقطعه هرقل الأموال والضياع والرباع، ثم ندم جبلة على ما كان منه وقال:
تنصّرت الأشراف من أجل لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنّفنى منها لجاج ونخوة ... فبعت لها العين الصحيحة بالعور
فياليت أمّى لم تلدنى وليتنى ... رجعت إلى القول الذى قاله عمر
ويا ليتنى أرعى المخاض بقفرة ... وكنت أسيرا فى ربيعة أو مضر
وحكى أنّ عمر بن الخطاب رضى الله عنه بعث إلى هرقل رسولا يدعوه إلى الإسلام أو الى الجزية فأجاب إلى الجزية، فلمّا أراد الرسول الانصراف قال له هرقل: ألقيت ابن عمّك هذا الذى عندنا- يعنى جبلة- الذى أتانا راغبا فى ديننا؟ فقال: ما لقيته. قال ألقه، قال الرسول: فذهبت إلى باب جبلة فإذا عليه من القهارمة والحجّاب والبهجة وكثرة الجمع مثل ما على باب هرقل. قال:
فتلطّفت فى الدخول عليه حتى أذن لى، فدخلت فرأيته أصهب اللحية، وكان عهدى به أسود اللحية والرأس، فأنكرته وإذا هو قد ذرّ سحالة «١» الذهب على لحيته حتى صار أصهب، وهو قاعد على سرير من قوارير، قوائمه أربعة أسود من الذهب. قال: فلمّا عرفنى رفعنى معه على السرير. قال: وجعل يسألنى عن المسلمين وعن عمر رضى الله عنه؛ فذكرت خيرا وعرّفته أنّ المسلمين كثروا.