فقالوا له: من أنت؟ فانتسب لهما، ففرحا به وأقبلا على خاله- وقد كان جعل الجعائل لمن يأتيه به- فلمّا أتياه به قال جذيمة لهما: لكما حكمكما. فقالا:
منادمتك. فكانا كما اختارا، وسار بهما المثل. ويقال: إنهما نادماه أربعين سنة، فما أعادا عليه حديثا مما حدّثاه به مرّة أخرى، بل كانا يحدّثانه بحديث جديد لم يسمعه منهما قبل.
وعمرو هذا هو الذى أخذ بثأر خاله جذيمة من الزّبّاء وقتلها. وذلك أنّ قصير ابن سعد كان من غلمان جذيمة قال لعمرو: اضرب ظهرى واقطع أرنبة أنفى واتركنى والزّبّاء، فإنّى سأحتال لك عليها، ففعل به ذلك، ففرّ قصير إلى الزّبّاء وصار فى جملة رجالها وأراها النصح والاجتهاد فى حوائجها، وأنه غاشّ لعمرو ابن عدىّ؛ وجعل يتّجر لها ويذهب لعمرو فى السرّ فيعطيه الأموال فيأتيها بها، كأنّ ذلك من اجتهاده وحذقه فى التجارة حتى اطمأنّت له؛ فذهب إلى عمرو وأخذه وأخذ معه ألفى رجل وجعلهم فى جوالق على ألف جمل، ومعهم دروعهم وسيوفهم وجاء بهم على طريق يقال له الغوير «١» ، ولم يكن يسلكه قبل ذلك، فلمّا قرب من حصنها تقدّم إليها وأعلمها أنه قد أتاها بمال صامت، فأشرفت من أعلى قصرها تنظر إلى الجمال، فرأتها وكأنّها تنزع أرجلها من أوحال لثقل ما عليها، فقالت:«عسى الغوير أبؤسا» . فذهبت مثلا. ثم قالت:
ما للمطايا مشيها وئيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا
أم صرفانا «٢» باردا شديدا ... أم الرّجال جثّما قعودا