إلا اكتسحوه، فقال بنو تميم: امنعوا هؤلاء القوم من رعى أرضكم، فحشدت تميم، وحشدت بكر واجتمعت، فلم يتخلّف عنهم إلا الحوفزان بن شريك فى أناس من بنى ذهل بن شيبان، وكان غازيا، فقدّمت بكر عليهم عمرا الأصمّ أبا مفروق- وهو عمرو بن قيس بن مسعود بن عمرو بن أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان- فحسد سائر ربيعة الأصمّ على الرياسة، فأتوه فقالوا: يا أبا مفروق، إنّا قد زحفنا لتميم وزحفوا لنا أكثر ما كنّا وكانوا قط. قال: فما تريدون؟ قالوا:
نريد أن نجعل كلّ حىّ على حياله، ونجعل عليهم رجلا منهم، فنعرف غناء كل قبيلة، فإنه أشدّ لاجتهاد الناس. قال: والله إنى لأبغض الخلاف عليكم، ولكن يأتى مفروق فينظر فيما قلتم. فلما جاء مفروق شاوره أبوه، فقال له مفروق:
ليس هذا أرادوا، وإنما أرادوا أن يخدعوك عن رأيك وحسدوك على رياستك، والله لئن لقيت القوم فظفرت لا يزال لنا الفضل بذلك أبدا، ولئن ظفر بك لا تزال لنا رياسة نعرف بها، فقال الأصمّ: يا قوم، قد استشرت مفروقا فرأيته مخالفا لكم، ولست مخالفا رأيه وما أشار به. فأقبلت تميم بجملين مجلّلين مقرونين مقيّدين وقالوا:
لا نولّى حتى يولى هذان الجملان، وهما الزّويران، فأخبرت بكر بقولهم الأصمّ فقال:
وأنا زويركم إن خشّوهما فخشونى، وإن عقروهما فاعقرونى، قال: والتقى القوم فاقتتلوا قتالا شديدا. فأسرت بنو تميم حراث بن مالك أخا بنى مرّة بن همام، فركض به رجل منهم وقد أردفه، فاتبعه ابنه قتادة بن حراث حتى لحق الفارس الذى أسر أباه، فطعنه فأرداه عن فرسه، واستنقذ أباه، ثم انهزمت بنو تميم.
وقال رجل من بنى سدوس:
يا سلم إن تسألى عنّا فلا كشف ... عند اللّقاء ولسنا بالمقاريف