وسار إياس بمن معه من الجند وغيرهم، فلما دنوا من بكر أقبل قيس بن مسعود الى قومه ليلا، فأمرهم بالصبر ثم رجع.
فلما التقى الزّحفان وتقرّب القوم، قام حنظلة بن ثعلبة بن سيّار العجلىّ فقال:
يا معشر بكر، إنّ نشّاب الأعاجم يفرّقكم، فعاجلوهم الى اللّقاء وابدءوهم بالشدّة، وقال هانىء بن مسعود: يا قوم، مهلك مقدور، خير من منجى مغرور.
إنّ الجزع لا يردّ القدر، وإنّ الصبر من أسباب الظفر، المنيّة خير من الدنيّة، واستقبال المنيّة خير من استدبارها، فالجدّ الجدّ، فما من الموت بدّ.
ثم قام حنظلة بن ثعلبة فقطع وضن «١» النساء فسقطن الى الأرض وقال: ليقاتل كلّ رجل عن حليلته، فسمّى مقطّع الوضن.
قال: وقطع يومئذ سبعمائة من بنى شيبان أيدى أقبيتهم من مناكبها لتخفّ أيديهم لضرب السيوف فتجالد القوم، وقتل يزيد بن حارثة اليشكرىّ الهامرز مبارزة، ثم قتل يزيد بعد ذلك. فضرب الله وجوه الفرس فانهزموا، واتبعتهم بكر حتى دخلوا السواد فى طلبهم، وأسر النعمان بن زرعة التغلبىّ. ونجا إياس بن قبيصة على فرسه الحمامة، فكان أوّل من انصرف إلى كسرى بالهزيمة هو. وكان لا يأتيه أحد بهزيمة جيش إلّا نزع كتفيه. فلمّا أتاه إياس بن قبيصة سأله عن الجيش فقال: هزمنا بكر بن وائل وأتيناك ببناتهم. فأعجب ذلك كسرى وأمر له بكسوة، ثم استأذنه إياس فقال: أخى قيس بن قبيصة مريض بعين التّمر، فأردت أن آتيه، فأذن له.
ثم أتى كسرى رجل من أهل الحيرة وهو بالخورنق فسأل: هل دخل على الملك أحد؟ فقالوا: إياس، فظنّ أنه قد حدّثه الخبر، فدخل عليه وأخبره بهزيمة القوم