وكان أبى دهقان «١» قريته، وكنت أحبّ خلق الله إليه، ثم لم يزل به حبّه إياى حتى حبسنى فى بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت فى المجوسية حتى كنت قطن النار «٢» الذى يوقدها لا يتركها تخبو ساعة؛ قال: وكان لأبى ضيعة عظيمة، فشغل فى بنيان له يوما، فقال يا بنى: إنى قد شغلت فى بنيانى هذا اليوم عن ضيعتى، فاذهب إليها، فأمرنى فيها ببعض ما يريد ثم قال: ولا تحتبس عنى، فإنك إن احتبست عنّى كنت أهمّ إلى من ضيعتى وشغلتنى عن كل شىء من أمرى؛ قال: فخرجت أريد ضيعته التى بعثنى إليها، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلّون، وكنت لا أدرى ما أمر الناس بحبس «٣» أبى إياى فى بيته، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتنى صلاتهم، ورغبت فى أمرهم وقلت: هذا والله خير من الدّين الذى نحن عليه، فو الله ما برحتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبى فلم آتها، ثم قلت لهم: أين أصل هذا الدّين؟ قالوا: بالشام، فرجعت إلى أبى وقد بعث فى طلبى، وشغلته عن عمله كلّه، فلما جئته قال:
أى بنىّ! أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قلت: يا أبت! مررت بأناس يصلّون فى كنيسة لهم، فأعجبنى ما رأيت من دينهم، فو الله ما زلت من عندهم حتى غربت الشّمس، قال: أى بنى! ليس فى ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قلت له: كلا والله! إنه لخير من ديننا، قال: فخافنى فجعل فى رجلى قيدا ثم حبسنى فى بيته، فبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجّار فأخبرونى بهم، قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النّصارى فأخبرونى بهم، فقلت: إذا قضوا حوائجهم، وأرادوا الترجعة