لا حذر، فداك البشر، فجدّك الأكبر، وحظّنا بك الأوفر، ثم قرّبت إليه ثريدا وقديدا وحيسا، وقامت تذب عنه حتى انتهى أكله ثم سقته لبنا صريفا وضريبا فشرب ما شاء، وجعل يتأمّلها مقبلة ومدبرة فملأت عينيه حسنا، وقلبه هوى، ثم قال لها: ما اسمك يا جارية؟ قالت: اسمى عفيراء، قال لها: من الذى دعوته الملك الهمام؟ قالت: مرثد العظيم الشان، الحاشر الكواهن والكهّان، لمعضلة يعلّ بها الجان، قال يا عفيراء: أتعلمين ما تلك المعضلة؟ قالت: أجل أيها الملك الهمام، إنها رؤيا منام، ليست بأضغاث أحلام، قال: أصبت يا عفيراء، فما تلك الرؤيا؟ قالت: رأيت أعاصير زوابع، بعضها لبعض تابع، فيها لهب لامع، ولها دخان ساطع، يقفوها نهر متدافع، وسمعت فيما أنت سامع، دعاء ذى جرس صادع: هلمّوا إلى المشارع، هلموا إلى المشارع، روىّ جارع، وغرق كارع.
قال الملك: أجل هذه رؤياى! فما تأويلها يا عفيراء؟ قالت: الأعاصير «١» الزوابع، ملوك تبابع، والنهر علم واسع، والداعى نبى شافع، والجارع ولىّ له تابع، والكارع عدوّله منازع. قال: يا عفيراء أسلم هذا النبىّ أم حرب؟ قالت: أقسم برافع السماء، ومنزل الماء «٢» من العماء، إنه لمبطل الدماء، ومنطق العقائل نطق الإماء. قال الملك: إلام يدعو يا عفيراء؟ قالت: إلى صلاة وصيام، وصلة أرحام، وكسر أصنام، وتعطيل أزلام، واجتناب آثام. قال الملك: يا عفيراء، من قومه؟ قالت: مضر بن نزار، ولهم منه نقع مثار، يتجلّى عن ذبح وإسار، قال:
يا عفيراء: إذا ذبح قومه فمن أعضاده؟ قالت: أعضاده غطاريف يمانون، طائرهم به ميمون، يعزبهم فيعزّون «٣» ، ويدمّث بهم الحزون، فإلى نصره يعتزون، فأطرق