للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم مشوا إلى أبى طالب مرّة أخرى فقالوا: يا أبا طالب، إن لك سنّا وشرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنّا، وإنا والله لا نصبر على هذا، من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفّه عنا، أو ننازله وإيّاك فى ذلك حتى يهلك أحد الفريقين؛ ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبى طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه.

فبعث أبو طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يابن أخى، إن قومك قد جاءونى فقالوا لى كذا وكذا، فأبق علىّ وعلى نفسك، ولا تحمّلنى من الأمر ما لا أطيق؛ قال: فظنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه «١» فيه، وأنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه، فقال «٢» له: «يا عمّ، والله لو وضعوا الشّمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته» ؛ ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم «٣» وقام، فلما ولّى ناداه أبو طالب فقال: أقبل يابن أخى، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب يابن أخى فقل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشىء أبدا.

قال «٤» : ثم إن قريشا لما عرفوا «٥» أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه، وإجماعه لفراقهم فى ذلك وعداوتهم، مشوا إليه بعمارة ابن الوليد بن المغيرة، فقالوا له: يا أبا طالب، هذا عمارة بن الوليد أنهد «٦» فتى فى قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتّخذه ولدا فهو لك خير، وأسلم لنا ابن أخيك هذا