الكاهن ولا سجعه، قالوا: فنقول مجنون، قال: ما «١» هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته؛ قالوا: فنقول شاعر؛ قال:
ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كلّه رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر؛ قالوا: فنقول: ساحر، قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السّحار وسحرهم، فما هو بنفثه ولا عقده «٢» ؛ قالوا: فما تقول يا أبا عبد شمس؟
قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعدق «٣» ، وإن فرعه لجناة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه أن تقولوا: ساحر، جاء بقول هو سحر يفرّق بين «٤» المرء وأبيه، وبين المرء [وأخيه، وبين المرء «٥» ] وزوجه، وبين المرء وعشيرته. فتفرّقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون بسبيل الناس حين قدموا الموسم، لا يمرّبهم أحد إلا حدّروه إياه وذكروا له أمره، فأنزل الله تعالى فى الوليد ابن المغيرة:(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً)