منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة [و «١» ] الأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قالت: فعدّد عليه أمور الإسلام، فصدقناه، وآمنّا به واتّبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرّمنا [ما «٢» ] حرم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فعدا علينا قومنا فعذّبونا وفتنونا عن ديننا، ليردّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحلّ ما كنا نستحلّ من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيّقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك، ورغبنا فى جوارك ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك، فقال النجاشى: هل معك مما جاء به عن الله من شىء، قال: نعم، قال: فاقرأه علىّ، فقرأ عليه صدرا من (كهيعص)
«٣» ، قال: فبكى والله النجاشى حتى اخضلّت لحيته، وبكت أساقفته حتى اخضلّت مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشىّ: إن هذا والذى جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فلا والله لا أسلّمهم إليكما، ولا يكادون.
قالت: فلما خرجنا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتينّه غدا عنهم بما أستأصل به خضراءهم، فقال له عبد الله بن أبى ربيعة: لا تفعل فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا، قال: والله لأخبرنّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم