للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنا غلام أعقل «١» كلّ ما رأيت، حتى جاءه، فقال: أعلمت يا جميل أنى أسلمت ودخلت فى دين محمد؟ قال: فو الله ما راجعه حتى قام يجرّ رداءه، واتبعه عمر واتبعت أبى، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش- وهم فى أنديتهم حول الكعبة- ألا إنّ ابن الخطاب قد صبأ «٢» ، فيقول عمر من خلفه: كذبت، ولكنّى أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله، وأنّ محمدا عبده ورسوله، وثاروا إليه، فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم.

قال: وطلح- يعنى أعيا- وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله لو قد كنا ثلاثمائة لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا.

فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلّة حبرة «٣» وقميص موشّى، حتى وقف عليهم فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر، قال: فمه! رجل اختار لنفسه أمرا فماذا تريدون؟ أترون بنى عدىّ بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا! خلّوا عن الرجل، قال: فو الله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه.

قال: فقلت لأبى بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبه، من الرجل الذى زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك، جزاه الله خيرا؟ قال: ذاك العاص ابن وائل السّهمىّ، لا جزاه الله خيرا.

قال عبد الله بن مسعود: ما كنا نقدر أن نصلّى عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشا وصلّى عند الكعبة وصلينا معه. وقال: إن إسلام عمر كان فتحا، وإنّ هجرته كانت نصرا، وإنّ إمارته كانت رحمة.