مكة يوما أو يومين لقيه ابن الدّغنّة «١» ، ويقال فيه: الدّغينة- أخو بنى الحارث بن بكر ابن عبد مناة بن كنانة، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنى المصطلق بن خزاعة، تحالفوا جميعا فسمّوا الأحابيش «٢» للحلف- فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ قال: أخرجنى قومى وآذونى وضيقوا علىّ، قال: ولم؟ فو الله إنك لتزين العشيرة، وتعين على النوائب، وتفعل المعروف، وتكسب المعدوم، ارجع وأنت فى جوارى. فرجع معه حتى إذا دخل مكة؛ قام ابن الدّغنّة فقال: يا معشر قريش، إنى قد أجرت ابن أبى قحافة فلا يعرضنّ له أحد إلا بخير؛ فكفّوا عنه.
قال: وكان لأبى بكر مسجد على باب داره فى بنى جمح، فكان يصلى فيه، وكان رجلا رقيقا؛ إذا قرأ القرآن استبكى، فتقف عليه الصبيان والعبيد والنساء فيعجبون لما يرون من هيئته، فمشى من قريش إلى ابن الدّغنّة رجال فقالوا: إنك لم تجر هذا الرجل ليؤذينا، إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمد يرقّ، ونحن نتخوّف على صبياننا ونسائنا وضعفتنا أن يفتنهم، فأته فمره أن يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء.
قالت: فمشى ابن الدّغنّة إليه فقال: يا أبا بكر، إنى لم أجرك لتؤذى قومك، إنهم قد كرهوا مكانك الذى أنت به، وتأذّوا بذلك منك، فادخل بيتك فاصنع فيه ما أحببت. قال: أو أردّ عليك جوارك، وأرضى بجوار الله؟ قال: فاردد علىّ جوارى، قال: قد رددته عليك، فقام ابن الدغنة فقال: يا معشر قريش، إن ابن أبى قحافة قد ردّ علىّ جوارى فشأنكم بصاحبكم.